د. علي بانافع
زفت الأخبار لنا فوز ممثل الوطن مدرسة الإمام النووي الابتدائية بينبع الصناعية بجائزة المدرسة المتميزة في تحدي القراءة العربي، بقيادة الأستاذ الرائع والبطل العبقري أحمد بن محمد عسيري وفريقه المتميز، إذ لم يتم في التاريخ الإنساني شيء عظيم بغير الشخصية والإعجاب بالأبطال منها، وقد اعجب سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ببطولة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ حس فيه عظمة الإنسانية ولذلك وجد الخير في متابعته والإيمان برسالته، وهو عالم بما سيناله من ظلم الأقوياء الجاهلين.
تقول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها في الحديث الطويل الذي رواه الإمام البخاري: ( كانَ أوَّلَ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ في النَّوْمِ، فَكانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلَاءُ، فَكانَ يَلْحَقُ بغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فيه -قالَ: والتَّحَنُّثُ: التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ، قَبْلَ أنْ يَرْجِعَ إلى أهْلِهِ ويَتَزَوَّدُ لذلكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ بمِثْلِهَا حتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ، وهو في غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ المَلَكُ، فَقالَ: اقْرَأْ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما أنَا بقَارِئٍ، قالَ: فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي، فَقالَ: اقْرَأْ، قُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، قُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي، فَقالَ: {اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ، خَلَقَ الإنْسَانَ مِن عَلَقٍ، اقْرَأْ ورَبُّكَ الأكْرَمُ الذي عَلَّمَ بالقَلَمِ} - الآيَاتِ إلى قَوْلِهِ - {عَلَّمَ الإنْسَانَ ما لَمْ يَعْلَمْ} فَرَجَعَ بهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حتَّى دَخَلَ علَى خَدِيجَةَ، فَقالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي … ) [صحيح البخاري: الرقم: 4953].
كيف يقرأ وهو أُمِّي؟! ولماذا يقرأ؟! وماذا يقرأ؟! إنه مثل معظم قومه لم يتعلم القراءة ولم يكن يقيم لها وزناً!! هؤلاء الأُمِّيون الذين كانوا يقفون على هامش حضارتي فارس والروم، لكنهم يحملون نفوساً صافية كأنها المواد الخام التي تُصَنَّع ولم تُستخدم بعد!! كيف يمكن وضع هؤلاء على أول طريق الحضارة؟! كيف يتم تفعيل هذه الطاقات المهدرة، وتحريك هذه العقول الخام؟! إنه تحدي القراءة أو صدمة ( اقرأ ) التي حيرة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم في البداية، وأذهلت قومه لفترة، ما علاقة القراءة بالشرك والظلم الذي وقع فيه قوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟! وهل القراءة هي الخلاص؟! وهل الدين الذي يبحث عنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مفتاحه القراءة وهو أمر قد أهمله العرب؟! وهل القراءة والدين والحضارة أمور متلازمة مترابطة كحلقات السلسلة؟!
لا شك بأنها أسئلة قد حيَّرت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في البداية، والمَلك جبريل عليه السلام يضغط ويشد ليؤكد أهمية القراءة، منذ طفولتي وأنا اقرأ هذا الخبر وأتعجب لماذا يضغط المَلك جبريل عليه السلام حتى يُجْهد النبي صلى الله عليه وسلم؟! لكنني الآن أدركت مقدار صعوبة تحدي القراءة أو صدمة ( اقرأ ) على الأُمِّيين، وأن أمر القراءة في غاية الأهمية ويحتاج إلى بذل جهد { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ } [العلق: 3]. فعلى قدر القراءة تنال الأمم من كرم الله سبحانه وتعالى، وإن إهمال القراءة لآيات الله في الكتاب، وفي الآفاق، وفي الأنفس هو موطن الداء في تخلُّف الأمم، ووقوعها في الظلم والشرك والتخلف والتراجع عن ركب الحضارة.
لابد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن شدَّ عليه المَلك جبريل عليه السلام ثلاث مرات حتى أجهده، قد أدرك خطورة القراءة، وأن الدِّين الذي فيه خلاص قومه، بل خلاص العالم كله مفتاحه القراءة، بمعناها الواسع الشامل، القراءة الواعية للآيات الآيات المكتوبة والآيات المنظورة، آيات الواقع = الأسباب + والنتائج، لكننا نحن قد ضيِّعنا هذا المفتاح، ونحن الآن أقل الناس قراءة في هذا العالم، ولهذا نقف في أسفل سلم الحضارة، لا نُسأل ولا نُستشار في أي أمرٍ من أمور العالم، بل نُؤكل ويُلعب بنا من قِبَل الأمم التي قرأت أكثر منا، فيا أُمة اقرأ أما آن الأوان لنعود إلى إقرأ؟! قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16].
رغم مرارات الواقع وقتامة ليل العرب والمسلمين الحالك، إلا أن ذلك يزيدني إيماناً ويقيناً بنصر الله القادم لا محالة وسيعود العرب والمسلمين إلى طريق القراءة السويَّة، وما علينا إلا استفراغ الوسع كل على قدر طاقته عندها انتظر النتيجة.
فتحية إجلال وإكبار من أهل الذوق الرفيع والقول البديع ثانوية ابن حزم بقيادة الأستاذ الخلوق الرائع المبدع طاهر بن عطيه الغامدي وفريقه، إلى الشقيقة ابتدائية الإمام النووي تحقيق هذا الإنجاز ومن إنجاز إلى إنجاز إن شاء الله، وإنا على هذا الدرب سائرون …