Image title

 في مطلع عام 2008 وقف ستيف جوبز أمام الجميع في مؤتمر آبل معلناً آخر منتج تم تطويره في هذه الشركة الخلاقة: Macbook Air. بالرغم من نجاح أجهزة Macbook و Macbook Pro ونمو مبيعاتها المضطرد، أتى Macbook Air ليكون أنحف بمقدار النصف، أخف بـ70% تقريباً وبذاكرة فلاشية (SSD) ذات سرعة هائلة في نقل البيانات تتفوق على جميع أجهزة آبل الأخرى مهما غلا ثمنها.

لم يستغرق الأمر سوى سنتين حتى تجاوز Macbook Air أقرانه وأصبح الجهاز المحمول الأكثر مبيعاً في العالم، متفوقاً على Macbook Pro و Macbook الذي توقف إنتاجه.

وهاهي آبل تكرر الأمر ذاته!
بعد سنوات من نجاح Macbook Air وبالرغم من استمرار نمو مبيعاته، هاهي آبل تعلن قبل أيام عن جهازها الجديد Macbook والذي يتفوق على Macbook Air في أهم مميزاته. فشاشته هي شاشة (ريتنا) المذهلة، وهو أخف من Macbook Air وأنحف بمقدار 25%! بالإضافة إلى كل هذه المميزات المبهرة، فتجربة استخدامه مع لوحة المفاتيح و الـ(تراك باد) الجديدة لا يشبهها أي شيء آخر، ولا حتى أجهزة آبل الأخرى.

السؤال الذي يخطر على على البال فور مشاهدة هذا الإعلان هو: لماذا تقتل آبل أحد أنجح منتجاتها (Macbook Air) بدلاً من تحسينه بهذه المميزات والتقنيات الجديدة ومضاعفة نجاحه؟ لماذا تطلق هذا المنتج الجديد الذي سيؤثر - قطعاً - على مبيعات قرينه الـMacbook Air؟

هذا بالضبط ما يسمى بالـCannibalization.

إن أردنا صياغة معنى لهذا السلوك في عبارة واحدة فستكون ربما: 

" قيام شركة ما بإطلاق منتج/خدمة تقتل به أحد أفضل منتجاتها/خدماتها وتتفوق عليه بأسلوب جديد مبتكر "

إن الشركات التي تطبق هذا المفهوم تلبس قبعة ألدّ منافسيها وتقرر تفريغ فريق من أفضل مهندسيها ومبتكريها للخروج بمنتج يتفوق على منتج حالي قائم وناجح لنفس الشركة. فيعمل هذا الفريق وهدفه هو "سحق" هذا المنتج الناجح بمنتج أفضل منه من جميع النواحي - أو أغلبها - ليتفوق عليه. وفور نجاح هذا الفريق في إطلاق المنتج تصب الشركة عليه تركيزها لتسويقه ليحل محل سابقه.

 ولكن ما الذي يدفع الشركات لهذا الفعل؟
 أليس من الأولى التركيز على جوانب قوة المنتج الناجح ومحاولة الاستحواذ على أكبر حصة في السوق؟ لماذا العبث بمنتج ناجح أصلاً؟ لماذا لا تدخل الشركة أسواق جديدة بدلاً من منافسة منتجاتها داخلياً؟

وكل هذه الأسئلة لها وجه من المنطق. ولكن الإدارات المتميزة في الشركات تعلم بأن لكل منتج دورة حياة، وأن أي شركة مهما بلغ نجاحها وتراكمت أرباحها لابد وأن يخرج لها منافس ليقتلها عاجلاً أم آجلاً. فتقرر أن تقتل هي بنفسها هذا المنتج الناجح لصالح منتج جديد أقوى منه بدلاً من أن يقتلها غيرها.

لنعد لمثالنا السابق لشرح المفهوم بشكل أعمق. شركة آبل تعلم بأن منتجها Macbook Air - بالرغم من كونه الأول في السوق بلا منازع - فهو لم يحصل على تحديثات جذرية منذ سنوات. مما يعد إشارة خطر تنبئ بإمكانية خروج أي منافس من الخارج بجهاز أفضل منه ليأكل حصته السوقية. لذلك تقرر تفريغ فريق داخلي مهمته هو قتل Macbook Air عن طريق الخروج بجهاز هو أفضل منه من جميع النواحي. وبهذا تطمئن الشركة إلى استمرار إبداعها وتفوقها وقيادتها للسوق.


كيف يمكن إنزال هذا المفهوم على شركات أخرى؟

لنفرض وجود شركة متخصصة في تركيب وصيانة أنظمة المحاسبة والإدارة المالية للشركات. هذه الشركة تعتمد بشكل أساسي على نظام قوي ومليء بالمميزات وأثبت جدواه على مدى سنوات، وهو النظام الأول والأكثر استخداما في السوق.

لو كانت إدارة هذه الشركة واعية بما فيه الكفاية لتطبيق مفهوم Cannibalization فستقوم بتعيين فريق منفصل مكون من خيرة مبرمجيها ومهندسيها للخروج بنظام يقوم بنفس المهام ولكن بشكل أفضل وكلفة أقل من جميع النواحي. سنجد أن الفريق الجديد سيعتمد في تصميم النظام على جعله يعمل على الانترنت سحابياً (Cloud) بدلاً من اعتماده على السيرفرات. وسيقومون بإعادة بنائه من الصفر لجعله يعتمد على قواعد بيانات حديثة أسهل وأسرع من سابقتها. وربما بلغة برمجة متقدمة تتيح الكثير من الإمكانات والمميزات تتفوق بمراحل على ما كان يحمله النظام السابق.

وبعد إتمام هذا المنتج الجديد، ستطلقه الشركة بسعر أقل ربما من نظامها السابق، معلنة بذلك قتلها بشكل غير مباشر لمنتجها الأعلى مبيعاً والمسؤول عن معظم أرباحها.


هل تظن بأن شركة Google تطبق هذا المفهوم بشكل جيد؟
أسعد بسماع رأيك عبر حسابي في تويتر (aloula@)

__________________________
شكري الجزيل لأصدقائي Mohmmadhd@ و ikaled@ و Ealdawood@ لمراجعتهم هذه التدوينة قبل نشرها.