- لا اعلم من اين ابدأ وكيف انتهي ؟ من اي باب ادخل او من اي نافذة اطل ؟تحت ظلال اي فكرة ابدأ ؟ وعلى اوتار اي وصف انتهي ؟ تخالطت علي الافكار، واسهبت في تشتيتي .. تغلغل في العشق ولست الوحيد العاشق، توسد بي التتيم ولست الوحيد المتيم.
هي ليست موضوع عادي ليكون الحديث عنها عادي، هي ليست حديث ساعة ليكون الحديث عنها مجازي، هي اشبه بالحضارات التي سبقت عصرها، ولكنها حضارة لم يشوبها الصدأ ولم يفنيها الدهر، هي كالذهب ، بل هي منجم للذهب، لا يشبهها غيرها في نصاعها، ولم تسبقها حضارة بعجائبها، هي ابسط الحضارات في فكرتها، وهي اعقدها في تفسيرها.
هي حضارة كرة القدم، او الحضارة الكروية ان اردتم الاختصار.
- اختلف الباحثون والمؤرخون في نشأتها، فمنهم من قال ان الصين مهدها، ومنهم من اجزم ان اليونان مولدها ؛ ولكن مالم يختلف عليه الجميع هو ان " قانون كامبريدج " من بين جدران جامعة كامبريدج هو موعد انطلاقها.
لن اسهب في حديثي عن تاريخها، لأن الاجهل فيها. ولن انظر لأرقامها لأني لا اعرف لها مقياس.
هي كالرواية في ظاهرها، ولكنها اعمق من الرواية في جوهرها.
الرواية تبدأ من نقطة الصفر حتى تصل لذروة اثارتها في المنتصف، تبدأ الاحداث تتضح، وتبدأ المعاني تفسر، حتى تصل لنهاية الرواية وانت على يقين ان النهاية المتوقعة.
ولكن في رواية كرة القدم، خرجت عن المألوف وغردت في سرب بعيد عن الروايات، بدأت بذروة اثارتها، ولازالت تزداد اثارة، لا نعلم في اي حقبة وصلت ذروتها؟ ولا نعلم هل لازالت ذورتها تختبئ بين حقب الزمن؟ فلا نعلم متى آخر فصولها؟ وكيف ستكون نهايتها؟ هي رواية خرجت عن كل ابجديات المنطق، وغردت بعيدا عن سراديب الواقع، ولو كان لها تصنيف بين الروايات، لأصبحت سقفا لرائعة البؤساء، ولترجمت لكل لغات العالم، مع انها رواية صامتة.
- هي كالمعارك في مبارياتها، وكالأفلام في حبكتها .. لا تتوقف معاركها، ولا نعلم متى نهاية حروبها؟
حروب تخطت حرب المئة عام بين فرنسا وانجلترا ففي الكوبا هناك حرب البرازيل والارجنتين، وفي الارجنتين هناك حرب بوكا وريفير، وفي اوروبا هناك الحروب الدامية، ابتداء بكلاسيكو اسبانيا، مرورا بدموية ايطاليا، تعقبيا بمجازر انجلترا، انتهاء بسرايا تطول قائمتها،
من يرى معاركها يظنها سيناريو مخطوط بورقة وقلم، حبكة في القصة وابداع في الاداء، وروعة في الاخراج، هي لا تختلف عن روائع هوليوود بل هي اشد حبكة واقوى قبولا، ولو كان لها في هوليوود نصيب لأزاحت" shawshank redemption و the gad father" من عرش هوليوود، ولأكتسحت تصنيف الimdb بتصويت اجماعي من ثلاثة ارباع سكان الارض.
و اكثر ما يستفزني هو شخص يسميها " لعبة " كرة القدم.
فلم اجد منطق يجعلني ادعوها ب"لعبة"، فلو كان لمتتبعيها من شجاعة جيفارا، وحنكة غاندي، وحكمة مانديلا .. لأقاموا ثورة يذكرها الاجيال، ليجعلو منها مملكة، لا دستور فيها الا دستور كرة القدم، ولا حياة تعيشها الا بين عشيبات معقل معاركها، فيجعلو من كل بهو مكان لممارستها او متابعتها، وفي زقاق كل شارع اكاديمية تنشئ مستقبلها، وعلى جدران كل بيت رسمة بطل من ابطالها، فيعيشوا بعيدا عن قذارة السياسة وتصنع الفنون، فيجمعوا ثلاث ارباع سكان الارض ويعيشوا بجمال هذه الامبراطوية وبقذارتها ،بعدلها وظلمها، لا يخشون الا خسارة معركة ولا يحيون الا لقرع طبول معركة، يعدون العدة والعتاد لحروب ثأر بينهم، لا يقبلون دخيل بينهم، يجتمعون لحرب من يعاديهم، فيذودون ذود شعب الفيتنام عن ارضها، وحينما ينتهون عن الذود يعودون ليعدون العدة والعتاد فيكملوا مجازرهم.
انا وانت مخلوقين من بلايين الجينات، لا نتشابه في شئ، ومهما توافقنا في الرأي سيظهر الاختلاف، لست اشبهك وابدا ولا تشبهني، قد نختلف في الدين والمذهب واللون والعرق، ولكن تذكر ان هناك شئ يجمعنا، هناك هواية مشتركة بيننا، عشق تقاسمناه بالنصف، هناك حياة عشناها سويا، تحت ظل مملكة واحدة وبجواز سفر موحد ...... الا وهي كرة القدم.