بكى عبد الله بن رواحة ـ فقالوا: ما يبكيك؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا، ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [٣] (سورة مريم، الآية ٧١)، فلست أدري كيف لي بالصدور بعد الورود؟ فقال المسلمون: صحبكم الله بالسلامة، ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين غانمين، فقال عبد الله بن رواحة:
لكننـي أسـأل الرحمن مغفــرة *** وضربـة ذات فرع تقذف الزبـدا
أو طعنـة بيـدي حـران مجـهزة *** بحربة تنفذ الأحشـاء والكبـدا
حتى يقـال إذا مروا على جدثي *** أرشـده الله مـن غـاز وقد رشـدا
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى اللواء لزيد بن حارثة وأمر بجعفر بن أبي طالب ثم عبدالله بن رواحه
في اليوم الثالث من الغزوة أستشهد الإثنان فبقي عبد الله بن رواحة فتردد في حمل اللواء ومن بعد أرغم نفسه قائلا
أقسمت يا نفس لتنزلن *** طائعة أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنه *** مالي أراك تكرهين الجنه
قد طال ما قد كنت مطمئنه *** هل أنت إلا نطفة في شنه
يا نفس إلا تقتلي تموتي *** هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت *** إن تفعلي فعلهما هديت
ثم حمل اللواء ومضى يجاهد حتي أستشهد رضوان الله عليه وعلى سائر الصحابة الأبرار