التقيت بالروائي الإماراتي الكبير علي بوالريش أول مرة قبل عامين في معرض أبوظبي للكتاب في حفل توقيع كتابه "دبي أيقونة الحياة" الصادر عن مداد للنشر. وأذكر أنني شعرت بأني في حضرة تجربة أدبية فريدة لم تلد الإمارات مثلها حتى اليوم. لم أقل أكثر من "شكرا أستاذ" وأخذت نسختي الموقعة ومضيت.

وبالأمس حظيت بدقائق من الحديث مع الأستاذ علي بوالريش وسمحت لنفسي بالتطفل على صمته المعتاد وسألته بفضول عن تجربته الأدبية مفترضة أنه متفرغ للكتابة نظرا لإنتاجه المتواصل والغزير. أجاب بأنه ليس متفرغا وأنه يعمل في وظيفة لكنه حريص على تخصيص ساعات من يومه للكتابة. وكنت دائما ما أتساءل عما إذا كانت الخبرة التي يكتسبها الكتاب الكبار تؤثر على سرعة إنجاز الأعمال الأدبية حالها حال باقي التخصصات والمهن، فسألته إن كان يجد كتابة الرواية اليوم أكثر سلاسة وسهولة عما كانت بالنسبة إليه في بداياته. فأكد على فكرتي لكنه أشار إلى أن الفكرة هي التي تستنزف الكاتب ووقته أما الأدوات الأخرى مثل صحة اللغة واختلاف الأسلوب فهي تنمو وتتكثف مع الوقت وتجعل العمل أيا كان مجاله أيسر مع مرور الوقت. وعن طقوسه أخبرني بأنه يكتب بعد الفجر حتى العاشرة صباحا وإنه يكثر من تناول القهوة كعادة مرافقة للكتابة.

ثم تساءلت بفضول عن القراءات التي تهم وتستهوي علي بوالريش فقال إنه يقرأ في الفلسفة وعلم النفس والروايات، فالفلسفة تفتح للكاتب مدارك العقل والتفكير أما علم النفس فيمنحه القدرة على تحليل الشخصيات وخلقها في الكتابة. سألته عن الروايات وهل يفضل الأدب العربي على المترجم؟ فأخبرني إنه قرأ للكثير من الكتاب العرب مثل نجيب محفوظ والطيب صالح وحيدر حيدر، كما أنه يميل إلى الأدب الشرقي شاملا الأدب الياباني والصيني لما فيه من تقارب مع الأدب العربي وتميز واختلاف في الأسلوب والأفكار عن الأدب الغربي. صمتت برهة وأنا أستجدي فضولي لطرح المزيد من الأسئلة واستغلال تلك الدقائق التي أعرف إنتي قد لا أحظى بمثلها مرة أخرى لكنني اكتفيت مسرورة بما عرفته عن بوالريش الكبير. لم تكن تلك مقابلة مخطط لها، لكن الحظ السعيد كان حليفي. وحين اعتذر منا الأستاذ بوالريش تاركا مكانه قلت لصديقتي ليتني قمت بتسجيل هذا الحوار، ثم أخبرتها بأنني سأتذكر حديثنا هذا وأحاول استرجاعه والكتابة عنه.

مضى بوالريش تاركا أثرا كبيرا في نفسي. وقد يجد البعض مبالغة في احتفائي باللقاء به ومحاورته. لكن ما أثارني فعلا تواضعه وبساطة حديثه وقربه من النفس رغم شهرته ومكانته الأدبية. جعلني هذا الأمر أقارن بينه وبين بعض الكتاب الذين لا يتجاوز إنتاجهم عملين أو ثلاثة، وعند محاورتهم المليئة بالتشدق بالألفاظ وتضخيم تجربتهم الأدبية، تجد نفسك خاويا من حديثهم ولا تضيف لك تجربتهم المزعومة ولا حتى اليسير. يلقب بوالريش بشيخ الروائيين الإماراتيين وقد استحق هذا اللقب لما يملكه من إنتاج ولما يحتويه ذلك الإنتاج من أدب مختلف ومتفرد.