بلد يتحكم فيه الاقطاعيون(زعماء الطوائف) وأصحاب رؤوس الاموال,مدين بأكثر من مائة مليار دولار,اكثر من 90% دين محلي,مقدمة من المؤسسات المالية الخاصة لدعم الحكومة بنسب فوائد ميسرة,مقابل الحصول على بعض الامتيازات التي فاقمت ايراداتها وجعلتها تتحكم في اقتصاد البلد,واستشراء الرشى,ما اثقل كاهل المواطن.

الساسة في البلاد وهم غالبا ما يكونون زعماء طوائف وأحزاب,يقومون بتأجير عقاراتهم للدولة لتوطين مؤسساتها,بمعنى اخر دولة بالإيجار,لم تقم الحكومات المتعاقبة بتشييد اية مبان عامة لتقديم خدماتها للمواطنين,بل تقوم بتأجير الاراضي الفضاء والشواطئ لأصحاب رؤوس الاموال بأثمان بخسة لإقامة المنتزهات,ما يفيد بان هؤلاء جاؤوا لأجل سلب ونهب خيرات البلد,حيث اضطر جزء من الشعب الى مغادرة البلد,ومن لم يستطع الفرار يعيش الفقر والإذلال.

الخروج الى الشوارع والميادين حق كفله الدستور للضغط على السلطة لتلبية الاحتياجات الاساسية,قفل الطرقات يؤدي الى شلل تام بالدولة,التركيبة العجيبة للمجتمع اللبناني التي افرزت سلطة فاسدة على مر الزمن,ليس من السهل اجبارها على التنازل عن كل مكتسباتها دفعة واحدة,فهي ستقاتل الى اخر رمق.

التشبث بتحقيق المطالب التي يراها البعض محقة,وتعتبر من جانب السلطة تعجيزية,ستفاقم الازمة,فالجمهور وان بدا متحدا في مطالبه إلا انه متباين في طريقة انهاء الازمة,البعض لن يرض بان يزاح زعماؤه التاريخيون جانبا,الولاء الطائفي والمذهبي متجذر في عقول غالبية اللبنانيين والتخلي عنه يعتبر ضربا من الخيال,ما يساهم في انقسام الشارع والتصادم ويحدث ما لا يحمد عقباه,خاصة وان البلد قد شهد حربا اهلية (سبعينيات القرن الماضي-15 سنة)ادت الى مقتل وتهجير الالاف,وإحداث شرخ في النسيج الاجتماعي لم يلتئم بعد.

بعيدا عن نظرية المؤامرة التي قد تكون حاضرة بالمشهد,وتجنيب البلد المخاطر,نعتقد بان الاطاحة دفعة واحدة بالمؤسسات الثلاث الرئيسية سيحدث فراغا قد يصعب شغله في فترة وجيزة,تشكيل حكومة تكنوقراط,لن يكون ذي جدوى فالطبقة الحاكمة الممثلة في البرلمان هي من ستعطي الثقة للحكومة,اذ ستسعى الى ايجاد حد ادنى من التفاهم على اقتسام الوزارات, الدعوة الى انتخابات برلمانية  مبكرة وفق القانون الحالي لن تحدث فارقا جوهريا وبالتالي تدوير ذات الوجوه,تغيير او تعديل الدستور وإقرار قانون انتخاب بعيدا عن القيد الطائفي سيأخذ وقتا لا باس به.

ذهب بعض الساسة الى اعتبار الحراك الشعبي طائفة جديدة يمكن اشراكها في المعترك الحالي,ولكن ايا تكن نسبة تمثيل هؤلاء فسوف لن تحدث تغييرا جذريا في مجريات الامور,بل الى اطالة امد الازمة.

المؤكد ان الحراك الشعبي قد احدث هزة في صفوف الطبقة الحاكمة,وأصبحت تعي خطورة الوضع وقبولها احداث اصلاحات ولكن على مراحل بدءا باستصدار قانون لمحاسبة الذين نهبوا مقدرات البلد,والعمل على الغاء الطائفية السياسية,واستحداث قانون موحد للأحوال الشخصية (الدولة المدنية),حتما سيأخذ كل هذا العمل وقتا,فلنعتبره مستقطعا لأجل اعادة الحياة الى الكيان اللبناني واستغلال مخزون النفط بمياهه الاقليمية لتسديد ديونه ولينعم بالرخاء والأمن,بدلا من المتاهة بين حرية التظاهر وحرية التنقل والدوران في حلقة مفرغة.