Y
Yomna

مدة القراءة: دقيقتين

ذات الرداء الأسود

لطالما كان هذا السواد القاتم مرتبط بكره دفين لم يستطع يوما مقاومته، فتارة يكون مصدر رعب من مجهول مختبئ و محتمي في هذا السواد، و تارة أخرى يعتبره مصدرا اغتصاب لجميل خلق الله و بديع صنعه، و لا عجب في ذلك ؛ فهو المحب للحياة بطبعه ، عاشق ابتهاج الورد و هدوء البحر و اشراق الشمس ، لم يجول يوما في خاطره انه قد يجتمع كل هذا مع ذلك السواد القاتم الذي قضيَ عمره في عداء معه، ليصبح و دون إنذار اكتر ما تحب عينيه رؤيته، و المسؤول عن ذلك كله هي روح مجهولة اختبات من أعين الجميع خلف رداء اسود فلم تسمح لأحد أن يرمق من جسدها سوى عينيها ، و هو ماكان كفيلا ليذيب قلب ذلك الهائم في عينين امتزج فيهما لون العسل و حلاوته مع أشعة الشمس الذهبية حين التقائها بحبات الرمال، فبعثت في نفس متاملها عشقا لعيون عسلية خبأت أسرارها خلف امواج بحر هائج كامن في تلك العيون ؛ فلم تكتفي بالحصن المنيع ضد من يرمقها وحسب ، بل و جعلت من نظرات عيونها كذلك وحشا كاسرا لمن يفكر في اقتحام حياتها أو حتى التقدم بخطوة واحدة منها ، و لكن هذا البحر لم يتمكن يوما من ابتلاع ملاحة عينيها العسليتين رغم أمواجه العاتية ، و حين تقابلت تلك العيون بأعين عاشقها؛ لم تقوى امواج البحر على ستر ما تخفيه من اسرار فباحت بكل ما تخفيه و تركت العيون تتحدث معا بلغة لا يفهمها سوى العيون ، لغة هي أشبه بصوت فيروز و بالحان عبد الوهاب و بالعود الشرقي و بطعم القهوة ، أنها لغة الهوى التي يصعب أن توصف بكلمات الشفاه ، فالعيون فقط هي من تجيدها ، هذا العضو الضعيف الذي يغلبه القلب على أمره و يلجأ إليه إذا ماوجد مقاومة من المرء لشفتيه، فإن كان المرء يتمكن من كتم مايريد أن ينطق به لسانه فكيف له أن يتحكم بما تتحدث به عينيه ، و منذ اللقاء الأول لعينيها التقا قلبيهما فاتخذا من أرواح بعضهما البعض مسكنا و مأوى و أمانا ، دون اكتراث منه لما قد يستر نقابها من ملامح ، و هي التي رغبت عن كل من دق أبوابها قصدا لجسد عفيف يتم به نصف دينه و يعفه عن الحرام ، او لامرأة تجيد الأعمال المنزلية يعتقلها في منزله، ظنا منه أن روحها مكبلة خلف قضبان تلك الخيمة السوداء ، اما هو ، فقد غض بصره عن تلك الخيمة و لم ير الا سحر عينيها و قلب يدق باب قلبه و يضخ دمها المتصل بدمه منذ اتصال اعينهما ، لم يكترث للسواد الملقى في الدرك الاسفل من نار كرهه الذي بات للَّيلة الاولى بنار عشقه منذ رؤيته يغشى روحها الآسرة ، فقد اُسرت روحه بتلك الروح المستترة داخل الجسد المأسور بداخل قضبان السجن الاسود ، لم يسألها عن دوافعها و لا عن قناعاتها بل عزم على أن يخوض معركته في صمت ، فإن انتصر و تمكن من تحريرها فهو خير ، و إن لم يفعل فهواه لها بحد ذاته هو أعظم انتصار .

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات