Y
Yomna

مدة القراءة: دقيقتين

شمس حارقة

محاولة للهرب ؛ الهرب من عقول متحجرة و مجتمع ظالم ، و من ثورتها ذات الطريق الواحد بلا عودة و التي مازادتها الا أذى ، أذى اعتادت عليه بعد بضعة سنين ؛ فلم تعد تستعجب أن أحلامها الصغيرة في اختيار ثنايا طريقها ماهي الا أوهاما صعبة المنال ، اعتيادها على ماواجهته وصل بها إلى الكلل ، و ثورتها ما آلت الا إلى انهاك روحها ، ركضت نحو مأواها الوحيد ، نحو وسادتها الناعمة ، هاهي تخوض معركتها الأخرى ، أغمضت عينيها آملة ان تشرق شمسها ويعود دفؤها و مأمنها ، ولكن لا جدوى من ذلك ، فإن كانت جراح أحلامها التي شوهها مجتمعها قد التئمت ؛ فكيف لحروق قلبها الذي شوهته شمسها أن تتعافى ؟ شمسها التي كانت دفءً لها تركتها وحيدة باردة بعد أن تركت حروقها على قلبها تذكارا يزورها كلما استنجدت بوسادتها الصغيرة ، فقديما كان التقاء رأسها بوسادتها و التقاء جفنيها معا بداية لاحلام وردية يمتزج فيها واقعها بخيالها - و هو ليس عن الواقع ببعيد ، و الان و قد تحولت أحلامها الا كوابيس ؛ صارت غفوتها ميتة صغيرة تتمناها كل ساعة و كل ثانية لتسكن إليها ، فقد غاب عنها ملجؤها و مامنها و فارس تلك الأحلام الوردية ، تركها وراء ظهره و هي في امس حاجتها لان يخطفها على حصانه من ارض معركتها و لو لدقائق معدودة تعيد إليها القوة و الحياة ، ذهب و ترك القوة في قلبها تتبدل هواناً و خذلاناً ، اياما عديدة قضتها و تالمها و حسرتها تتصاعدان يوما تلو الآخر ، و لكن رغم الالم لم تتمكن يوما واحدا من كبح اشواقها و حنينها و هو مازادها حرقةً و ايلاماً ، فكم من ليالٍ سهرتها اذنيها شوقا لصوته ينطق اسمها ، ذلك الاسم الذي لم تحبه يوما منذ وُلدت الى أن سمعته من شفتيه للمرة الأولى ، اناملها الصغيرة الباردة التي فشلت قفازاتها في تدفئتها اشتاقت لكفيه ؛ فقد كان دفؤهما لا يكفي لتدفئة اناملها و حسب ، بل و روحها البريئة كذلك التي كانت تحيا بلمسته ، حتى شعرها الاسود الكثيف الأملس فقدَ حياته و أمسى باهتا كئيبا منذ أن فقد مداعبة أنامله ، دموعها المنسكبة كالماء الجاري على وجنتيها الشاحبتين ليست هي نفس الدموع التي كانت ترفرف من عينيها بهجة خلال لقائهما معا و اثناء احاديثهما المطولة ، ملامحها لم تبق على حالها و عمرها تضاعف عدة أضعاف منذ فارقها ، حتى الشتاء بات أكثر برودة من سابقيه ، نزيف كحلها الاسود لم يتوقف ، تماما كزخات المطر التي شهدت لقاؤهما الاول و الوداع الاخير ، ذكريات مزدحمة أثقلت رأسها ، جميلة في ظاهرها و مبهجة ؛ و لكن مجرد كلمة "ذكريات" تحمل في طياتها اسواطا قوية تمزق احشاءها .

عزف البلبل لحنه الحزين على نافذة تلك التي انساها حنينها طعم النوم ، معلنا عن بدء صباح لا يحمل من مظهره سوى أشعة شمس باردة برودة حارقة ، اما نورها فقد توارى خلف الغيوم .

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات