Y
Yomna

مدة القراءة: دقيقتين

المواطن الاصلي للزنزانة

لم ادرك أن هنالك ابشع من السجون التي زرت أحدها مرة و رايتها على التلفاز او سمعت عنها ممن سكنوها مرات عديدة ، ظالم و مظلوم معاً بين نفس الجدران ، جمعهم اللون الابيض في ثيابهم و فرقهم ما يخفونه في صدورهم و أفعالهم ، يوصد زنانتهم سجان اخرج من جوفه قلبه و تخلى عن عقله على بوابة السجن ؛ لا يرى إلا حفنات النقود و علب السجائر التي يدفعها إليه المقتدرين نظير معاملة خاصة ، و ما أن ينهي عمله حتى يعود إلى حيث يكمن منزله ، فهو يقطن داخل السجن الأكبر ، قد تعجب من حال ساكنيه في بادئ الأمر ، و لكن حين تتأمل في حالهم قد تختلق لهم الأعذار دون وجه حق .

هنالك يقطن المواطنون الأصليون للزنازين حيث يقدسون الحديد و يعبدون القضبان ، لا مسجون يرغب في نيل حريته ، و عوضا عن السعي في تلبية رغبته المكنونة للحرية و هدم القضبان المحيطة به ؛ يدخر مجهوده لتشييد قضبان جديدة حول الغير كاصنام يعبدها و يجبر غيره على عبادتها ، فهذا ماوجدوا عليه اباءهم و أجدادهم .

مذكور في كتب تراثهم أن رجل من ساكني الزنازين ارتكب جريمة شنيعة ؛ كسر الأصنام و هدم القضبان و فك اساور الحديد ، حينها قامت عليه الحرب ،حرب العفة و الشرف و الاخلاق على العهر و الدناءة و الفاحشة ، حرب الايمان على الكفر و الرقي على الانحطاط ، هبوا جميعا حفاظا على أمن و سلامة الزنزانة ضد ارهاب المتمرد ، فهذه هي الحرية لدى مواطني الزنازين ، فكل مايحمل فكره الحر كفرا ، و كل ماتهوى روحه الحرة عهرا و انحطاطا ، و التحرر لديهم إرهابا .

دفنوا حريتهم حية تحت التراب من قديم الازل ، و لكن حتى التراب لا يقوى على قتل تلك الفطرة التي وهبها الله لخلقه ، فالعبادة قد تكون ظاهرية ليست منبعثة عن إيمان داخلي ، و كذلك هو حال عباد القضبان ؛ يسجدون لها و يقدسونها رغم كفرهم الباطني بها ، قد يعجب الاحرار من حالهم ، فإذا امتنع الجميع عن تشييد القضبان و ادخروا جهدهم لهدمها لما بقي سجين واحد بالداخل و تحولت الزنازين لساحات واسعة ممتدة يبرحون فيها و ينعمون بالحرية ، و لكن الحر يتحمل مسؤولية عظيمة ، و المسجون لا مسؤولية عليه ، لذا فسكان الزنازين قد بلغ عشقهم لكونهم سجناء و غرامهم في مزاولة مهنتهم كسجانين ما يفوق فطرتهم الحرة ، فآثروا العبودية على الحرية .

يوما بعد الآخر ، و جيل تلو الجيل ، تزيد القضبان و تزيد ، و يعلو سور السجن اكثر و اكثر ، فلا تعجب كثيرا لحالهم ، فربما انت لست عنهم ببعيد .


أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات