قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 153]
الغصَّةِ التي نعيشُها يومياً ولكن لايسعنا نقول فيها إلا : (إنَّ الله معَ الصَّابِرِّين) .
تلك المعية من الله التي تأتي للصابر تورث الجمال الذي يكسو العبد
وأيُّ جمال ذاكَ الذِي وَهبهُ الله إيَّاهُ وزَينهُ بالإيمانِ والحياءِ !؟
أليسَ ذلكَ جمالُ الصَّابرين وسعادةُ المُحتَسبيِن !؟
التعقيب في آية أخرى تأكيد معية الله عز وجل للصابرين
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة : 45]
تأمل كيف اقترن بذكرها الصبر و الصلاة، ولكن ليس أي صلاة؛ بل الصلاة المحققة شروطها وأركانها الجالبة للخشوع.
في الآيتين ورد الأمر بالاستعانة (استعينوا)، وذُكر بعدها الصبر مباشرة للدلالة على الارتباط الوثيق بينهما... فالأدوات المعينة على الاستعانة هي الصبر وإن كان مراً، والصلاة
فالصلاة هي إتصال العبد بالله،
وحبلٌ متين فمتى نأى العبد بنفسه وانشغل بذكر الله، والصلاة ظبط انفعالاته فلم يجزع للدنيا وأفعالها! ولذلك يخبرنا الله الفرق بين حال الانسان في الهلع وحاله مع الصلاة:
" ۞ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ! استثنى الله المصلين!
لماذا؟
لأن الله تعالى بدأ كتابه في سورة الفاتحة ب
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]:
وهذا الذي يجب أن تسير عليه حياته ومعاشه وسائر أعماله
بين حالين إياك نعبد (ومنها الصلاة الذي يورث الخشوع، ثم الصبر)
وبين إياك نستعين وهو طلب العون من الله في كل صغيرة وكبيرة!
فمتى ما كان العبد يكثر من الصلاة كانت الاستعانة، والمعونة على قدر المؤونة!
وأما ما يحدث من نكبات وويلات لهذه الأمة، وانتشار الظلم والقهر وتسلط الفجار
فأنى للمسلم الحر أن يطيق صبرًا؟ هنا الجواب:
{قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف128]
أمر الله هنا بالاستعانة به في صد عدوان فرعون وملأه، ثم الصبر، لأن الله رحيم يعلم ضعف العباد وشدة تسلط الفاجر، وزلزلزلة القلوب أمامه!
ثم ماذا بعد ذلك؟
يأتي الوعد المحقق بأن العاقبة للمتقين، فلا تبتئس أيها المسلم ولاتحزن فالأمة منصورة والغُمة مرفوعة والنصر آت.
ويُلاحظ أن صيغة الماضي في لفظة "الاستعانة" لم ترد في القرآن؛ وذلك للدلالة على أن الإنسان يستعين بالله في ماضيه وحاضره ومستقبله، ولا ينقطع عن الله، والاستعانة به في حياته وأقواله وأفعاله
وإن الصبر الجميل ليزيد من قوة الاستعانة!
وهذا يوضح لماذا استعان نبي الله يعقوب بالله
على مكر أبنائه وصبر لأعوام حتى رد الله علي ابنيه
وكذلك نبينا الكريم أمر في خواتيم سورة الانبياء بالاستعانه بالله على مكر الكافرين
فاللهم إنا نسألك صبراً جميلاً، وأعِذ حبال الرجاء فيك أن يقطعها اليأس، وامنحنا من الصبر ما تنحني معه هامات الكآبة وتفنى غاشيات الوجع ونوبات التَّعب.
فاللهم ..