كبسولة : ( يكفي أن تغلف أي فكرة بصبغة دينية حتى تقنع العرب بإتباعك ) المفكر الجزائري الراحل محمد أركون .
لن أضيف كثيرا لقارئ واع ، مطلع ، فطن ، إذا بادرته في مطلع مقالي المتواضع هذا بفكرة هي بلا شك صادمة للبعض مرفوضة من قبلهم ، اقصد من تعطلت عقولهم وتيبست مداركهم واستطابوا حياة القطيع ؛ فكرة مفادها : أن كل التنظيمات والجماعات والحركات الطافية على سطح واقعنا المعاصر، والتي تتبرقع بالإسلام ظاهرا ؛ تدين بالولاء باطنا لأعداء الأمة الحقيقيين وصناعة (غربية / ماسونية ) بامتياز، وكثير من كوادر هذه الجماعات في مستويات قيادية عليا ومتوسطة لا تعي ذلك أو تدركه تمام الادراك رغم أنها تشارك فيه ، والقليل النادر منهم ممن استعملوا عقولهم ادركوا ببصائرهم ذلك متأخرا ( الأستاذ ثروت الخرباوي مثالا ) ، هذا المحام الفاضل الأريب الفطن الذي امتلك شجاعة البوح والتصريح ، ناصحا لأهلة وبني جلدتة وأمته ، فاضحا عصابة دينية انتمى اليها في غفلة من وعي في كتابة القيم سر المعبد وعلى شاشات الفضائيات في اكثر من مناسبة ، غير مبال بما قد يلحقة من اذي من هؤلاء ، أما القاعدة العريضة من الأعضاء العاديين فمغرر بهم ولا ريب ، ويتم التعامل معهم كوقود و حطب لمعارك قادمة منتظرة !! ، معارك يسيطر فيها هؤلاء الجهلة الموتورون مدعو التقوى والورع زنادقة الحاضر وخوارج العصر على مقدرات اوطانهم ، وإن لم يتسن لهم ذلك لسبب او لآخر، أو اذا لفظتهم الجماهير بعد حين ، يقومون حينها نكاية بشعوبهم بتمزيق اوطانهم وتفتيتها وتدميرها وادخالها في متاهات وحروب اهلية او مذهبية تأكل الاخضر واليابس وتعيق حركة التقدم والحياة لحين يعلمه الله ، خدمة لأجندات مشبوهة ، وكل ذلك باسم الله والدين !!
وبعد :
لم توضع أمة من الأمم تحت المجهر مثلما وضعت هذه الأمة ، ولم تُدرس وتشرّح أمة بتعمق وتأن وهوادة من قبل المستشرقين ودوائر الاستخبارات العالمية مثلما دُرست أمتنا وشرّحت ، لمعرفة مواطن ضعفها ، ومحددات عقلها السياسي ، وما يؤثر فيه ، وهذا بهدف تحقيق السيطرة وإنجاح القياد الماكرغير المباشر ، وللحيلولة دون قيام أي نهضة حقيقية عندنا في مقبل الأيام ، نهضة تسمح لنا بالعيش كبشر وتخلصنا من التبعية والذيلية والهوان المزمن الذي نعاني منه منذ قرون ، وتفسح لنا مجال الترقي و التنافس الحضاري مع الغرب المسيطر الامبريالي ، الغرب الذي يحصل على مقدراتنا من نفط وغاز بما يشتهي و نفتح له اسواقنا كمستهلكين صاغرين ، و نقف على اعتابه فاقدي الاحترام و الارداة والتأثير ؛ متسولين كل شيء بدءا من الغذاء والدواء والكساء وصولا للسلاح الذي نقتل به بعضنا البعض .
الغرب الذي لا يعيش اللحظة فقط مثلنا ، بل يرسم لنفسه سياسات واهدافا مستقبلية و خططا واضحة طويلة الأمد ، تؤمن له الرفاهية وتسيد العالم .
وقد أدرك الأعداء موطن الخلل ومكمن الداء عندنا من خلال دراستهم الوافية لعقلنا وردود افعالنا و تاريخنا السياسي المخزي القديم والحديث ؛ وقد كان واضحا جليا لكل ذي لب وبصيرة منهم ( المستشرقون على وجه الخصوص ) انعدام المناعة لدينا كشعوب بدائية بلهاء تغلب دائما عاطفتها الدينية وتنساق بلا وعي امام كل من يتاجر بالمقدس او يوظف ذلك في عالم الحكم و السياسة ، لهذا كان لا بد من تعميق و إذكاء تلك العاطفة لدينا دائما وابدا ، و تشجيعنا على اجترار وتكرار نفس التجارب المأساوية الطافح بها تاريخنا المخزي منذ الانقلاب الأموي كلما سنحت الفرصة ، لتأبيد الواقع المأساوي المعاش و لإخراس الناس وقهرهم بفقه الطاعة ، ولتخديرهم وإلهائهم وإغراقهم بالغيبيات ، وإرهابهم بمختارات تطبيق الشريعة التي تستثني أمير المؤمنين و زبانيته !! ؛ فهو ولي الله وخليفته و ظله على الأرض ، وخارج أي تنازع أو تطاول أو انتقاد !! ، ومن أراد أن يتأكد من صحة ما نذهب إليه أو أن يستزيد تفصيلا في الوقائع والأحداث ، فليلج المحيط الزاخر واقصد بذلك أمهات كتب التاريخ الإسلامي ، كتاريخ الأمم والملوك للطبري ومروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي والإمامة والسياسة لابن قتيبة فهي طافحة بالمخزيات .
وبعد :
لم تنشأ أي من الجماعات الدينية او الحركات التكفيرية التي طفت على سطح واقعنا المعاصر نشأة تلقائية عفوية ، بمعنى نتيجة لحاجة طبيعية او فراغ قائم او تهديد ماثل يلوح في الافق لعقيدة قرابة ربع مليار مسلم في المنطقة العربية ، وإنما جرى استنباتها بتخطيط ماكر خفي ، وبدعم وتشجيع غير مباشر من قبل قوى الاستعمار والاستكبار العالمي التي لا تضمر خيرا حقيقيا لهذه الامة والاوطان ، ولتؤدي دورا مرسوما آنيا او في مقبل الأيام بحسب المكان و الحاجة والظروف والمعطيات !!
وقد تجلى الدور الخطير والمشبوه لبعض هذه الجماعات كأوضح ما يكون اثناء الحرب الباردة ، خلال ثمانينيات القرن المنصرم في افغانستان ، عندما نسق ( الجهاديون !! ) المتأسلمون نشاطاتهم التي اضحت مفضوحة مع الاستخبارات الامريكية والغربية وكيانات اقليمية عميلة وتلقوا الدعم العسكري والمادي الواضح و الكبيرمنهم للقضاء على النفوذ السوفيتي ( الكافر!! ) ودحر وجوده ، وقد شارك القاعديون ومن لف لفهم في المهمة وقاموا بتنفيذ المطلوب منهم بكل أمانة ودقة وتفان وإخلاص ، خدمة للاسلام ظاهرا ولماما امريكا و الغرب باطنا ، وتحولت افغانستان بعد التحرير الموهوم الى دولة عظمى مهيبة وجنه لله في ارضه في ظل حكمهم الرباني الطالباني الرهيب !!
وقد جرى تلميعهم وانتاجهم وتنشيطهم مجددا ليستكملوا دورهم الإستغفالي والإبهاري كمحركين للاحداث في المنطقة والعالم ( بغزوة منهاتن المفبركة !! ) وزميلاتها في اا سبتمبر، وليقدموا المبرر والذريعة لأمريكا لبسط نفوذها وغرس انيابها وقواعدها العسكرية كاقوى ما يكون في المنطقة العربية و كذا لانتهاك سيادة بلدين اسلاميين احدهما عربي وتدميرهما واحتلالهما احتلالا مباشرا .
وتجلى الارتباط الوثيق و ( الحبل السري !! ) بين أم العصابات الدينية في عالمنا العربي والمخابرات الامريكية في شواهد كثيرة مغايرة ؛ لعل أبرزها واهمها إجتماع ضم مرشد الاخوان حسن البنا بالسكرتير الأول للسفارة الامريكية بالقاهرة ( فيليب ايرلاند في 29-8-1947 ) بناءا على طلب الاخير و في شقته بالزمالك ، وتم في هذا اللقاء الاتفاق على تدشين أول تحالف بين الاخوان والمخابرات الامريكية لمحاربة النفوذ السوفيتي في مصر والمنطقة العربية ، بلا مقابل واضح معلوم !! ، النفوذ السوفيتي الذي بنى لمصر لاحقا السد العالي وكثير من المصانع والقلاع الانتاجية كمصنع الحديد والصلب في حلوان ومجمع الالومنيوم بنجع حمادي... الخ ، اضافة الى الموقف السياسي الحازم والمشرف إثر العدوان الثلاثي وتهديد الاتحاد السوفيتي بضرب باريس ولندن بالسلاح النووي اذا لم تنسحب قواتهما من بورسعيد .
وتجلى ارتباط الاخوان ايضا بالسلطات الامريكية في اجتماع القيادي الإخواني سعيد رمضان ( صهر البنا – زوج ابنته وسكرتيره الشخصي ) ضمن وفد إسلامي بالرئيس الامريكي ايزنهاور في سبتمبر من العام ثلاثة وخمسين وتسعمائة وألف تحت مسمى العامل الديني ، وكان اهم بند في الاجتماع : ( العمل على مساندة الاطراف الاسلامية التي تعمل لتحديث الاسلام !! ، واهم تلك الجماعات هم الاخوان المسلمون !! ) .
وفي ولاية ايزنهاور الثانية وتحديدا في العام سبع وخمسين وتسعمائة وألف كون الرئيس الامريكي لجنة من وزارة الخارجية والسي آي ايه والوكالة الامريكية للمعلومات ، وكانت مهمة هذه اللجنة درس ما يمكن أن تقوم به المنظمات الحكومية والخاصة بشأن الاستفادة من الاسلام كسلاح ضد الشيوعية ، و اوصت اللجنة :( بابعاد رجال الدين العاديين واحتضان جماعة الاخوان المسلمين !! )
وفي مصر قام حسن الهضيبي خليفة البنا و مرشد الاخوان زمن الرئيس الراحل عبدالناصر بالاجتماعات المتكررة مع السفير الامريكي بالقاهرة للاتفاق على كيفية تقويض حكم الرئيس الراحل عبدالناصر وتعاونه مع الاتحاد السوفيتي ، لمنع الشيوعية من الانتشار في الشرق الاوسط ، و ( دُرس المقابل الذي يمكن أن يتوقعه الاخوان من الامريكان !! ) ، وقد وصل التنسيق لمستوى جهنمي عال ، حيث طالب الهضيبي المسئولين الامريكان في اجتماع دام ثلاث ساعات في العام 1953 بالمساعدة على تصفية بعض عناصر قيادة الثورة ومنهم بالطبع الرئيس الراحل عبدالناصر اضافة الى انسحاب العسكريين من الحكم ، ولم يتوقف الامر عند هذا الحد فقد أكد الهضيبي عن طريق ممثله لدى الخارجية الامريكية تأييد الاخوان لمساعى التوصل الى تسوية مع اسرائيل في ذلك الوقت المبكر من عمر الصراع !! .
وهذا بحسب الوثائق السرية لوزارة الخارجية الامريكية التي افرج عنها في اغسطس من العام اربعة وثمانين وتسعمائة والف ، حيث اتيح للباحثين الاطلاع على ملفاتها غير المنشورة ابتداء من العام 1954 ولغاية العام 1956 .
كان هذا غيض من فيض وما خفي كان أعظم !! ، لهذا نقول ختاما باننا لا نرى خلاصا لهذه الأمة مما تعانيه من بؤس وتخلف وحرمان الا بفضح هذا الطاعون المتدثر برداء الدين وتجفيف موارده المالية والفكرية وقطع ارتباطاته الاستخبارية بالقوى الكبري المهيمنة على مصائر شعوب كثيرة بمنطقتنا وفي العالم علاوة على سن تشريعات صارمة تجرم الاتجار بالمقدس و تمنع تكوين احزاب ذات صبغة دينية ، لأن ذلك يخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين هذه الاحزاب وغيرها في أي انتخابات قد تحصل مستقبلا ، فشعوبنا في سوادها الاعظم لا زالت غير قادرة على التمييز بين الغث والسمين او بين الشعار و العميل الدجال الذي يرفعه !! .
كبسولة الختام للمفكر الكبير مصطفى محمود :
( لا تخدعونا بهذا الزعم الكاذب بانه لا اسلام بدون حكم اسلامى فهى كلمة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، فالاسلام موجود بطول الدنيا وعرضها وهو موجود كأعمق ما يكون الايمان بدون حاجة الى تلك الاطر الشكلية ، اغلقوا هذا الباب الذى يدخل منه الانتهازيون والمتآمرون والماكرون والكذبة انها كلمة جذابة كذابة يستعملها الكل كحصان طروادة ليدخل الى البيت الاسلامى من بابه لينسفه من داخله وهو يلبس عمامة الخلافة ويحوقل ويبسمل بتسابيح الاولياء ، انها الثياب التنكرية للاعداء الجدد ) .