السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لعلي أبدأ كتابة هذا المقال وأنا في حالة من الغضب من حال الأمة ،،، ولكن تذكرت صرخه كتبت في سجلات التاريخ ومراجع الكتب وخلدت في ذاكرة المحبين والأعداء و ارتوت بفيض من الذكاء تحليلا وقياساً ومعرفة ففقهت سراً من أسرار الله في الكون.

ها هم القوم محاصرون من كل صوب ، تكالبت عليهم الأمم من القريب والبعيد، يريدون النيل منهم ، يحاربون من ينصرهم ، يعادون من يحبهم، يتآمرون على من أشفق عليهم، لا وألف لا لمن فكر فيهم مجرد تفكير، لا بل له القتل والتعزير من سولت له نفسه مجرد التفكير بهم.

القوم محاصرون ،من ورائهم الغدر والمكر والمكيدة ، ومن أمامهم السيف والقتل ، وعن أيمانهم  وشمائلهم الأرض القاسية ، ومن فوقهم الشمس الحارقة، فلا إله إلى الله أين سيذهبون و إلى أين سيتجهون و لمن سيأوون ، من لهم؟

“خطرت على بالي فكرة” ، قال أحدهم، ” نحفر حفرة كبيرة ، نعم كبيرة جداًً نسد بها طريق العدو من أمامنا ” ، استطرد احدهم قائلاً: “نعم احسنت القول ولما لا ، فلقد أمنا القوم من ورائنا ، إن بيننا وبينهم موثق لن ننقضه ولن ينقضوه أليس كذلك؟ نعم ،، نعم ،، نعم، القوم يستطردوت القول .

مالم يعرفوه هؤلاء المساكين أن القوم من ورائهم قد غدروا بهم ونقضوا العهذ معهم وصاروا من ورائهم يحاربونهم ويعادونهم ويتآمرون عليهم ، فما أن علموا بذلك حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وظنوا أنهم مواقعو الموت لا محالة.

هموا بالحفر ، فهاهم يكدون بالحفر حتى لكأن عرقهم يتشكل في جباههم كغصون الغاب المتشابك ، فهذا يهوي بفأسه وآخر يرفعه.

وهذه هي الأيام، تمضي وهم لا يكادون يفتأوون باستراحة قصيرة إلا ويصيبهم الهم والغم، ولم لا فهذه أرواحهم من يذودون عنها فيقوموا ليكدوا ،،، و يكدوا ،،، ويكدوا .

وفجأة تغيرت وجوههم واسودت،وظهرت علامات الدهشة والاستكبار عليهم !!! “ماذا نفعل ، يا إلهي ما هذا الشيء العظيم ، كيف بأربعة أيام تذهب سداً ” .

يالله ،،، يالها من مأساة ويالها من خيبة أمل عظيمة تعلوا وجوههم المبيضة بنور الإيمان .

نهرع إليه ، نعم ، إليه ؟؟؟

يأتوه فرادى وجماعات ، وهو هناك يعرف بحالهم ، كيف لا وهو من يكدح معهم ، فيحفر ، و يقود ، و يأمر و يواسي ، نعم يهرعون إلى قائدهم إلى حبيبهم ، إلى نبيهم .

هو: يأخذ فأساً و ينطلق بهم إلى هذا الشيء العظيم .

هم: يهرعون من حوله ومن خلفه ومن أمامه وعن يمينه وعن شماله .

هم: يرون الموت بهذه الفاجعة .

هو: تظهر عليه سمات الوقار والثبات والثقة ، فما أعظمه من قائد .

يأتي قائدهم ينظر إلى هذه الصخرة العظيمة القاسية التي أجهدت أشد الرجال في محاولتهم لكسرها، الآن الكل ينظره ماذا سيفعل ، يقف في وسطها ، يرفع فأسه قائلا: بسم الله , يهوي بفأسه ، فإذا بنور عظيم ساطع ، سطع في وسط الصخرة كادت أن تذهب بأبصار القوم وعقولهم ، وهم في غمرة الذهول سمعوا صرخة :

“الله أكبر ،،، قصور الشام ورب الكعبة ”

وإذا بالضربة الثانية ، فيأتي نور أعظم من سابقه ، ومعها صرخة ” الوعد الصادق ” :

“الله أكبر ،،، قصور فارس ورب الكعبة ”

نعم كان النور العظيم مبهراُ حتى لكأني أكاد اراهم لا يبصرون ، ولكن هاتين الصرختين كانتا أعظم وأكبر تأثيراً بهم ، فكيف ،،، كيف بقوم هذه حالتهم تفتح لهم قصور الشام وفارس !!!.

يا الله ما أعظمك يارسول الله ، ما أعظم معرفتك ما ألهم توكلك بربك ، ما أفهمك به وأعلمك به ، نعم هؤلاء القوم هم رسول الله وأصحابه السبعمائة الذين كانوا معه ، وهذه كانت ” معركة فرقان ” في غزوة الخندق، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم معنى أن يكونوا مع الله في الشدة ليكون معهم في الرخاء ، يعلمهم أن الصبر مفتاح الفرج وأن الصبر مفتاحه توكل العبد بربه وإيمانه به.

فمتى علم الناس أن لهم رباً عظيماً ، لا تعجزه الكوائن ، ولا يضره شيء، أيقنوا أنه لا يضرهم شئ لم يكتب لهم ، وأنه لو اجتمع الناس على أن يضروا أحداً بما لم يكتبه الله له ، فلن يضروه ، ولو اجتمعوا لينفعوه بشيء لم يكتب له فلن ينفعوه ، فاستقرت أعينهم ، وأمنوا جانب الخلق والتجؤوا إلى الخالق في كل حالهم.

عندما علم رسول الله أن ربه معه وتوكل عليه حق توكله ، نصره الله و فتحت له قصور الشام وفارس و بشر بها رأي العين في تلك الحادثة .

نعم هي صرخة ، ولكنها صرخة هزت عروش الأعداء والمغرضين والمبغضين ، نعم هي صرخة ولكنها صرخة يقظة لأمته من بعده إلى يوم الدين .

لقد كنت دوما أتطلع لمعرفة معنى التوكل ، اتقصى ما يفعله المتوكلون ، اعلم يقينا انهم علموا سراً عرفوا به الله تعالى عن قرب واختبروا عظمته وجلالة قدره عز وجل.

نعم المتوكلون هم من عرفوا الله وعلموا ان عملهم لا يقوم به غيرهم فاجتهدوا به ، وعلموا ان أرزاقهم لا تذهب لسواهم فطلبوها واستعانوا به تعالى ودعوا بقوله تعالى: “إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ “.

المتوكلون هم من أدركوا أن الله وزع الأرزاق على خلقه ، فقسم للمؤمنين منهم نصيب ، لهم فيها متاع في الدنيا خالصة لهم في الآخرة ققهموا قوله تعالى :

” قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ “.

هم :

” الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ “

هم من فقهوا أن الطير علم ، بعلمه تعالى، انه لن يبيت ليله إلا وهو شبعان وأن النملة وهي تسير في الصفاة السوداء في الليلة الظلماء، أدركت أنها لن تبيت شتاءها إلا ومعها قوتها وقوت اطفالها ، وأن النحلة تصنع عسلها ، وما هو إلا شفاء للعالمين ، أن الله قدر لها رزقها فأجهدت نفسها في طلبه ، حتى لا يكاد يذكر الكد والعمل إلا ويضرب بها مثلاً.

هم من صدقوا وآمنوا بقول رسول الله تعالى :

” لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، يغدوا خماصاً ويعود بطانا “.

وعندما علموا أن السموات والأراضين السبع موكلون بعبادة الله تعالى وتسبيحه وأنها همت بها حتى ليكاد الحجر والشجر يصدح بذكره تعالى بياتاً على سمع الجنة والناس لولا لطف الله بهما ، علموا أنهم مقصرون في جنب الله تعالى فما زادهم ذلك إلا حباً له تعالى وتعلقاً وعشقاً، فعاشوا معه في كل حالهم .

وعلم الإنسان أنه موكل بحمل أمانة عرضت على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان وكان الإنسان ظلوماً جهولاً .

فكيف بها من أمانة أشفقت السموات والأرض منها، وكيف بها يحملها هذا المخلوق الضعيف الذي لا حول له ولا قوة إلى بالذي خلقها، فالذي خلقها هو أعلم بها وهو من يعين عليها ، فسبحان الله الذي له ما في السموات والأرض وله ما بينهن وما فيهن وهو القوي العزيز.

فعلم المتوكلون أنهم لن يقدروا على حمل هذه الأمانة إلى بالتوكل عليه تعالى والدعاء له تعالى ليعينهم في حملها ، فلما فعلوا حكموا الأرض بعدله ، ونشروا نور الحق في البقاع بفضله وعاش الناس أحراراً بعبادته تعالى ، ونورت الدنيا بنور بارئها ، وانتشلت الأرض من جور الظلم إلى عدل الحق ، وهذا هو وعد الله للمؤمنين الموقنين المتوكلين قال تعالى :

” وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ” .

ختاماً ، أدعو الله تعالى أن يفيض علينا بنعمه ظاهرة وباطنة وأن يرزقنا التوكل والصبر وأن ينصر إخواننا في ” غزة العزة ” وأن يعينهم خيراً، فما صرخاتهم إلا ” صرخات توكل ” نحسبها كذلك والله حسيبهم وناصرهم وهو موكلهم إليه فهو سبحانه وتعالى لا يخيب ظن عبده به أبداً .