السلام عليكم ،،،
التواضع ، موضوع لطالما أحببت ان اتوغل في احراشه في جوانبه في قيعانه في أعاليه ، لطالما أحببت التواضع والمتواضعين ، الذين حققوه في أنفسهم في ضمائرهم في أعمالهم في تعاملاتهم في كيفية نظرتهم لأنفسهم ولغيرهم ، في كيفية حبهم لهذه الصفة العظيمة .
في الحقيقة أنا لست كاتباً ملهما ولا خطيباً مفوها ، ولكني لطالما احببت ان أخرج مكنونات صدري عن صدري ، إما لصديق أو عزيز أو حبيب ، ولأني أحبكم فإني أحببت أن أشاركم التواضع كما أفهمه.
في الحقيقة، ما هو التواضع؟ سؤال لطالما حيرتني إجابته .
كم من مرة قرأنا في خبايا الكتب عن التواضع والمتواضعين لكني أستطيع أن أجزم لكم أني لم أستطع أن أجد ما يشفي غليل قلبي لفهم هذه الخصلة العظيمة . ولكن لماذا ؟
نعم ، برأي ، لأن التواضع خصلة لا يمكن أن يعرف بها صاحبها إذا لم يعرف بها صاحبها ، ولكن كيف؟
التواضع خصلة نفسية ، وحالة قلبية أخلاقية تتربى بها نفس الإنسان بالإنسان ، ببيئة الإنسان ، بتربيى الإنسان ، بمن يراهم الإنسان بكل ما يشكل الإنسان ، فنتيجة ذلك كله هو شيء يستقر
في الإنسان بدون أن يعلم الإنسان توجهه وتقوده في حياته في أخلاقه في تعامالاته في كل جوانب حياته، فتراه متواضعا في نفسه ومع نفسه ، يعاتبها وتعاتبه إذا ما قصر فيها و يعاتبها إذا قصرت في كل حاله.نعم معنىً جميل رائع ولكن ، لم تجب على سؤالي ، ما هو التواضع ؟
لم أجد ما يسد رمقي إلا بعد قراءة سيرة ذلك الرجل العظيم الذي ألهم البشرية كلها بتواضعه بحبه للناس ، بعظمة أخلاقه ، بعظمة سيرته ، نعم هو ذلك الرجل العظيم محمد صلاة وسلاما عليه .
فيا الله ما اروع سيرته ، ما ألهم معرفته ، تجد بها ضالتك و تعشق بها الحياة قبل الآخرة.
فمن هو النبي صلى الله عليه وسلم ؟ هو ذلك الرجل الذي طوى الله له الارض فبلغ دينه ما طوى له بها . هو ذلك الرجل الذي هز قصور كسرى وقيصر . هو ذلك الرجل الذي أرسل الرسل
للعظيم قبل الذليل مبتدأً فيها “بسم الله ، أسلم تسلم ” . هو خليل الرحمن و حبيبه . حبيب جبريل وجبرائيل وميكائيل . حبيب العارفين العاشقين العالمين والمتعلمين . حبيب كل من عشق
سيرته فذهب راحلا من بغداد إلى الأندلس ليعرف حديثاً عنه . فيا الله ما أروعه من إنسان ، ما أروعه من أب و جد و حبيب وعشيق و معشوق . وهو في كل ذلك وذاك ، تتفطر قدماه تواضعاً لربه ، وقد قيل له قد غفر ما تقدم وما تأخر من ذنبه فقال افلا أكون عبداً شكورا .
وهو في كل ذاك و ذاك ، من نام على الحصير في بيت من الطين ، وقد كانت له أعاظم القصور والعروش .
هو من أجلس الصغير قبل الكبير و علم الكبير بنصح الصغير وعلم الصغير بعطف الكبير .
نعم من أراد أن يفهم التواضع فعليه أن يفهم هذا الإنسان العظيم .
التواضع هو ما استقر في القلب من معرفة الإنسان بمن هو الإنسان ومن يكون وبما يكون ، فعلم ان علمه لا يساوى في علم الله شي و ملكه لا يساوى في ملك الله شي ، وعلم أن علمه و عمله و ماله ونسبه لا ينفعه يوم العرض فعلم في قرارة نفسه أنه لا يملك شي و هو في ظاهر أمره يملك كل شي .هو من علم أن من الناس من علمه الله علماً أكثر منه و أن من الناس من رزقه الله رزقاً فهو أغتى منه وأن من الناس من شرفه الله بنسب فهو أعز منه وأن الله يعطي ويمنع ، يعطي ليمنع ويمنع ليعطي ، يعز من يشاء ويذل من يشاء وأن بيده الملك وهو على كل شيء قدير.
التواضع هو من أسكت صاحبه في حضرة من هو أعلم منه ، وأن عطية ماله في عطاء من هو أغنى منه لا تساوي شيئاً وأن شرفه في شرف من هو أعز منه لا يساوي شيئاً فصدره مجلس القوم تواضعاً وإجلالاً لحضرته والتواضع هو من علم صاحبه أن يعاتب نفسه على تقصيرها فهو يعاتبها إذا ما قل علمها و عطائها و خلقها وتزرع في نفسه حب الأفضلية دون أن تكون سببا في هلاكه ، لذلك نجد العظيم يزداد عظمة إذا قرنها صاحبها بتواضع جميل محبوب لا في غلو ولا تقصير ، فنرى العالم الجليل يزداد طلبا في العلم و الغني يزداد غناً والشريف يزداد عزاً وهو في ذاك وذاك يزداد تواضعا وإجلالا ووجلا.
نرى المتواضع جميل الخلق زهيد النفس حبيب الطبع يحبه من عرفه و من لم يعرفه ، كريم النفس رفيع الشأن في أقرانه ، إن تكلم تكلم بما هو مفيد وإن لم يفد سكت فهو في ذمة من قال خير الكلام ما قل ودل.
نرى المتواضع عفيف النفس زهيد اللبس عفو عند المقدرة حليم عند الغضب لا يحب أن يذل أو يذل ، يحفظ لسانه عن مكاره القوم فتراه ناصحاً دون كبر ، يحب الناس ويحب لهم ما يحبه لنفسه.
نرى المتواضع يتلهف النصيحة دون أن يكابر نفسه ، يعلم تقصيرها فيؤدبها ، فتزداد نفسه رقياً وجمالاً وكمالاً.
نعم هذا هو التواضع الذي افهمه والذي حاولت وما زلت أحاول أن أربي نفسي عليه ، وهذا ما أحببت أن أشاركم به.