د. علي بانافع
عندما يعجز الإنسان عن تحقيق أمانيه وأحلامه أو يشعر بأن الهزائم والانتكاسات تلاحقه في كثير من أمور حياته، ويعجز العقل والعلم على أن يجد مبررا لما يحدث له فإنه يلجأ إلى الخرافات لعله يجد عندها ما عجز العقل والعلم عن تفسيره، يستوي في ذلك الفرد والمجتمع، كما تستوي فيه الأمم المتخلفة والأمم المتقدمة، فمثلا قد يرسب الطالب عدة مرات وبدلا من البحث في الأسباب يقال عنه مسحور أو محسود، أو تفشل البنت في خطبتها أو زواجها فيقال عنها كذلك، أو يعجز العريس في القيام بالمهام الزوجية فيقال عنه مربوط، أو يصاب إنسان باكتئاب فيقال عنه ممسوس، ويتجه الجميع إلى المنجمين وقراء الفنجان وأصحاب النبوءات ظنا منهم أنهم سيجدون عندهم دواءهم، والحقيقة أن ما أصابهم إما أقدار الله التي أرادها - وأقدار الله كلها خير - وإن ظهر مؤقتا عكس ذلك، أو أنهم عندهم أمراض عضوية أو نفسية تحتاج إلى التمهل في العلاج ليؤتي ثماره.
والمجتمعات كالأفراد تصاب بما يصابون به يستوي في ذلك - كما قلت - الأمم المتحضرة والأمم المتخلفة، ولا أدل على ذلك من أن كثيرا من رؤساء أمريكا كانوا يحتفظون في البيت الأبيض بمنجمين ومنجمات يسترشدون بتنجيمهم قبل أن يتخذوا قرارا في أمور خطيرة، وأشهر هؤلاء الرئيس رونالد ريجان. ولكن الأمم المتخلفة المنهزمة نفسيا، التي تقع تحت حكم ظالم أو محتل قاتل؛ فإنها تتسلط عليها هذه الأوهام والخرافات أكثر بكثير من الأمم المتحضرة؛ حتى لتصبح الخرافات هي المفسر لكثير لما يحدث لها، وهي المبشر للخير الذي سيأتيها، فيتقاعد الناس عن إعمار الكون والحياة ومحاولة تغيير أوضاعهم إلى الأفضل والأحسن؛ ظنا منهم أن هذا قدرهم الذي يجب أن يعيشوه، حتى يأتي الأفضل من خلال ما عبرت عنه أحلام أصحاب الرؤى أو قراء الكف من المتكهنين أو حساب النجوم للمنجمين، ومن المؤسف أن هؤلاء ظهروا بكثرة في بلادنا العربية في السنوات الأخيرة، وأصبحت تستضيفهم عدد من القنوات الفضائية في المناسبات المختلفة؛ ليتحدثوا بكل جرأة عن تنبؤاتهم لما سيحدث لبعض الدول والشخصيات والمشاهير ...الخ، وكان من نتيجة ذلك أن أصبح لهم جمهور عريض يؤمن بهم ويعتقد فيما يقولون.
وستصيب هذه الظاهرة العقل العربي بالجمود والتخلف إن لم تجد مقاومة من رجال الدين والإعلام الجاد الذي يبني ولا يهدم ويعمر ولا يخرب. وشيوع الظاهرة في مجتمعاتنا وإعطائها الأهمية من خلال الاهتمام بالممارسين لها إعلاميا ومجتمعيا دليل على أننا نعيش ردة حضارية، وعودة إلى عصور الظلام والتخلف ودليل واضح على أننا عائدون إلى تيه الجهل والانحطاط الفكري.