كم هو صعب أن نتخيل أنفسنا و من حولنا بدون أسماء، فلا نداء حينها ولا ألقاب. وكم هو صعب علينا أن نتخيل الناس أمة واحدة لهم لغة واحدة و ثقافة واحدة و تاريخ واحد ، حينها فلا أنساب بينهم ولا هم يعرفون. وكانت حكمة الله تعالى أن خلق الناس أمماً وشعوباً وقبائل؛ لماذا؟ ليتعارفوا ولتكن منهم أمة يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر وليميز الخبيث من الطيب، وكانت التقوى هي المعيار الرباني للتفاضل فيما بينهم.

الناس فيما بينهم تعارفوا وعرفوا بألقابهم، فهذا ابن فلان بن فلان من قبيلة كذا و كذا، وكذلك هم عرفوا بألقاب مناصبهم في العلم أو الأمر أو المال، فهذا عالم وهذا ملك وهذا غني.

ولعل كل هذا لهو من سنن الله في الكون حيث أن الله زرع في النفس البشرية حب التفاضل والتمايز بالألقاب والعناوين، فهو أمر طبيعي يحبه جميع الناس.

ولكن ، عندما يتحول هذا الأمر إلى نزعة خبيثة فإنها كالداء الذي يصيب الروح البشرية فتمرضها وتجعل صاحبها يستكين إلا نزعات نفسه للتكبر على غيرها، فإذا به يقدس نفسه ويجعل من نسبه أو قبيلته أو منصبه ركيزة لتحقيق مصالحه حتى ولو كانت على حساب مصالح الآخرين و شؤونهم، وهو أمر لا يقبله الإنسان العاقل على نفسه ولا على غيره.

نرى الكثير من المشاكل الاجتماعية التي ورثتها تلك النزعة الخبيثة، فنرى الظلم والتعدي على الآخرين بسبب أن فلان هو بن فلان وهو ذا حسب و نسب، ونرى أن المعيار في حياتنا وأعمالنا لم تعد إمكانيات و قدرات الأشخاص بل صارت المحسوبيات التي ما لبثت تستشري في كل شيء، فتلك الوظيفة لذلك الشخص لأنه قريب مدير العمل أو لأنه ابن قريته.

الغريب في الأمر أن بدأ الناس يقبلون به كأمر اعتيادي وأنه هو الأنجع والأنجح في حل مشاكلهم وصار الأمر ثقافة مستشرية في مجتمعاتنا العربية.

صارت الألقاب كالجوائز التي توزع بين فرق متنافسة في لعبة ما، غير أن الفائز فيها هو من كان لقبه ينتمي إلى تلك القبيلة، والخاسر فيها هو من لا ينتسب لها، فيا ترى هل هذا ما نريده في مجتمعاتنا ؟!

أختم أخيراً بقوله تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ” صدق الله العظيم .