الله تعالى خلق الكون وجعل فيه الأخضر واليابس ، الطيب والخبيث ، البشع والجميل ، الحلو والمر ، وكل هذه المتناقضات في مخلوقاته تعالى لها معانيها التي خلقت من أجلها ، فالله في مخلوقاته سنن ، وسنن الله في الكون ما هي إلا قواعد يخفض بها الله ويرفع.
فهو الله المعز المذل ، فهو يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الملك وهو على كل شيء قدير. من أخذ بسنن الله تعالى وعمل لعزه أعزه الله ومن أذل نفسه أذله الله بنفسه ومن طلب الكرامة بذل المعصية أذله الله أمام الخلائق جميعاً ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
ومن سنن الله تعالى في الكون أن وضع هذا المسجد المقدس في البقاع المقدسة أرض المحشر والمنشر ، فكرمه الله تعالى بأن لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث وجعله ثالثها ، وكرم الله تعالى نبيه الكريم محمداً عليه أفضل الصلاة والسلام بأن أعرج به منه إلى سدرة المنتهى عندها جنة المؤوى .
إن هذا المسجد العظيم جعله الله تعالى مقياساً لأهل الأرض فيما هم عليه، فلطالما كان المسجد الأقصى في خير وعز في عهد كان به المسلمون في عز و قوة, ولطالما كان الأقصى مهداً للهدي الرباني على مدى العصور ففيه تآلفت القلوب وتكاملت.
ولو نظرنا في زمننا هذا لظللنا نندهش من هذا الكريم، فهو ما زال في محبة الناس وإخلاصهم له مقياساً يقيس الله به عباده، فنعلم به المؤمن والمنافق والعزيز والذليل والقوي والضعيف, ونعرف به من باع نفسه لله شهيداً ومن باع نفسه لهواه والشيطان.
عندما ننظر في الناس نراهم قسمين لا ثالث لهما, قسم محب للأرض المباركة فنراه يدافع عنها ويحبها ويقاتل ويجاهد من أجلها ويجعل نصب عينيه أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده وأنها لن تكون إلا للصالحين من أهل الله وخاصته فأخلصوا نيتهم وبذلوا الجهد ليكونوا منهم و أرواحهم التي جعلوها في سبيل الله رخيصة بغوا بها الجنة, فكان جزاءهم في الدنيا قبل الآخرة أن جعل الناس في محبتهم يهيمون وفي شأنهم رافعون وفي ذكراهم مخلصون ، فكانوا من الذين أعزهم الله في الدنيا قبل الآخرة.
وقسم منافق ,يظهر خلاف ما يبطن, فتراه في المجالس يظهر دفاعه عن هذه الأرض ويدعي أنه يسوس الأمور وأنها لعبة الكبار يجب أن تلعب بصورة صحيحة وأنه هو الوحيد الذي يفهم وغيره لا يفهم ، فتراه يتشدق في الكلام, يتكلم فينصت له العدو قبل الصديق ويصفق له ويتبسم ويمتدح فيه عقلانيته وروحه السياسية المتفتحة وهو لم يدري أن اليوم الذي قتل فيه الثور الأسود هو ذلك اليوم الذي قتل فيه الأبيض رغم تباعد الأيام.
وتراه في مجلسه وبين بطانته يترفع بهم مجلسهم ويترأس , ويأمر فيطاع ويحكم فينفذ, ويخطط وينسق ويذهب ويجيء ويدلي ببياناته ويتشدق في شجب ما يجري من أحداث لبني وطنه وينكر على عدوه ما يفعله ويرى في ذات الوقت أن الحوار ولغته والسلام وخططه هي خارطة للطريق التي يجب أن يسير عليها الأحرار ليحرروا بها أراضيهم وممتلكاتهم ومقدساتهم , ألا إن لعنة الله على الكاذبين.
فهؤلاء القوم ما كان لهم فيها من نصيب في الدنيا قبل الآخرة ولا من حب الناس ولا دعاءهم ولا كرامة الشهداء وبطولاتهم إلا سواد الوجوه وذل الهوان والضعف وتلعثم الكلام وتلكؤ لغة العقل والمنطق.
فسلام على الأحرار, فسلام على الشهداء الأبرار, فسلام على من أحب الأرض والأقصى ، وسلام لكل أهل غزة الكرام. وبؤساً لكل هؤلاء المتشدقين وليتذكروا أبداً أن التاريخ لن يغفر لهم وأن الله يمهل ولا يهمل وسوف تأتي ساعة الحق التي ستتمرغ فيها أنوفهم وجباهم الذليلة.