لا يمكن أن يعرفوا قيمة حضورك إلا في غيابك،ولكنك غائب دائماً أيها المبدع المثابر رغم حضورك اللافت والمستمر في المشهد،ليس لأنك لم تسجل حضورك بل لأنهم مشغولون بأنفسهم وبغيرك ليل نهار ويغوصون في بركة التكرار

ابتعد كثير من المبدعين بعد أن تسرّب اليأس إلى قلوبهم،وشعروا بأنهم غير مرغوبٍ بهم في الأساس،ولم تعد البيئة طاردةً فحسب بل قاتلة وحافلة بمختلف أنواع السموم النفسية التي ينفثها أصحاب الأهواء والذين يتلاعبون بالمبدعين كأحجار الشطرنج في رقعةٍ بائسة.

تمرّد بعض المبدعين على هذا الواقع المرير،وتوقّف آخرون،وانزوى البعض الآخر،وبقي آخرون يصارعون من أجل البقاء،وتعامل البعض بذكاء هائل مع أعداء الإبداع،فتركوا لهم الأضواء الزائفة،وانطلقوا في فضاء الثقافة والاجتهاد،مما أحدث فارقاً فكرياً كبيراً سحب البساط من تحت أقدامهم .

ربما نجحت لغة المال في دفع بعض الأسماء إلى الواجهة لكنها سرعان ما ترنّحت وسقطت في عالمٍ ثقافي لا يعترف إلا بالحقيقيين مهما طال الوقت،فالمادة حالة فورانٍ مؤقتة سرعان ما تنتهي إلى حقيقةٍ صفرية بامتياز،عكس المبدع الذي يكبر وينمو على نارٍ هادئة ويشقّ طريقه بهدوء وصبر وسلاسة وجلادة معتمداً على مشروعٍ أدبي حقيقي،وخطواتٍ علمية مدروسة،ليقطف ثمار الحصاد في بساتين النبوغ،فلا العشوائية ولا البهرجة تصنع كاتباً مرموقاً مهما حاول الطبّال أن يقرع طبوله طويلاً.

كم من الأشجار الباسقة التي تعامى عنها أصحاب الأهواء عامدين متعمّدين،وكم من الحشائش الضارة التي اهتموا بسقايتها ولم يجنوا من سقايتها إلا التعب والندم،من أراد معرفة الحقيقة فعليه أن يتأمّل بحيادٍ تام لعله يرصد المشهد الحالي بعيون متفائلة قليلاً.

"أكبر المحيطات في العالم يتكون من قطرات صغيرة من الماء"

" مثل هندي "