قبل أن تعرفَ حقيقةَ اللطفِ
عليك أن تذوقَ معنى الفقدِ
أن ترى المستقبل كلّه وقد ذابَ في لحظةٍ واحدةٍ
كما يذوب الملحُ في الحساءِ الخفيفِ
وأنّ ما كسبته يداك
وما أعددته وحفظته بعنايةٍ
كلّ ذلك يجب أن يزول، لتعلمَ
كيف يمكن أن تكون الأرض قفرًا
بين مواطنِ اللطفِ
كيف تسافر، ثم تسافر
معتقدا أن الحافلة لن تتوقفَ أبدا
وأن الرَّكْبَ الذين يأكلون الذرة والدجاج
سيحدقون عبر النوافذ إلى الأبد.
***
قبل أن تتعلّم شيئا عن الجاذبية الرقيقة للطفِ
عليك أن ترتحل إلى حيث كان الهندي الأحمر ذو الرداءِ الأبيضِ
جثةً هامدةً على قارعة الطريق
أن تعلمَ أنه كان من الممكن أن تكونَ أنتَ مكانه
وأنه كان إنسانا كذلك
ساريًا طوال الليل بآماله
وبأنفاسه المتواضعةِ التي كانت تبقيه حيًّا.
***
قبل أن تعرف اللطف بوصفه أعمقَ ما في داخلك
عليك أن تدرك أن الأسى هو ذلك العمق الآخر
أن تستيقظ صباحا بمعيته
أن تتحدثَ إليه حتى يقتنصَ صوتُك
الخيطَ الناظمَ لكلِّ الأحزان
وحتى تتملّى دقّة نسيجه.
عندئذ فقط
لا صوت سيعلو سوى صوت اللطف
ووحده اللطف سيعينك على ربط خيط حذائك
ووحده اللطف سيأخذ بيدك خلال يومك لتجدَ الخبزَ
ووحده اللطف سيرفع رأسه
وسط زحام الوجود قائلًا لك:
"أنا ما كنتَ تبحثُ عنه"
ثم يرافقك في كل مكان
مثلَ ظلٍّ أو مثلَ صديق.
- ترجمة حمد الشمري
- صورة الغلاف للشاعرة والحقوق لـ https://www.flickr.com/photos/gonzagauniversity/16150020207/