ترجمته من الفرنسية : أثير علي السلمان
المصدر:
https://toquestalks.com/2018/08/19/antonin-careme/
في عام 1815، هُزم نابليون وتُنحيّ عن عرشه، ولكن فرنسا تفادت تلك الهزيمة في مؤتمر فيينا بتلاعب ممثلها "تاليران"، وبموهبة "أنتونين كاريم" الذي أذهل الأطراف المتنازعة وأعاد رسم خريطة أوروبا إلى جانب تقنيات الطهي.
من مُعدم إلى معد لأكبر الموائد
ولد أنتونين في عام 1784، عندما كانت الثورة الفرنسية في أوجها، بدأت أولى معاناة الطفل أنتونين البالغ 8 سنوات، الذي تخلى عنه والده في ضواحي العاصمة لأنه لم يعد قادراً على تحمل مسؤولية إطعام أطفاله. كان أنتونين في عيني والده الأذكى بين إخوته الأربعة عشر، والقادر على التغلب على مصاعب الحياة.
بعد بضعة أيام من التشرد والخوف والمعاناة من جراء الجوع، طرق أنتونين باب مقهى باريسي صغير. أشفق صاحب المقهى على حاله فجعله تحت رعايته وعمل لديه في المطبخ مقابل السكن والطعام، ومن هذا المكان تعلم أول أساسيات الطهي.
أدى تفاني أنتونين ورغبته من أجل تحقيق أهدافه إلى جني الثمار. ففي عمر 13، لفت أنتونين انتباه الطاهي "سيلفين بايلي" الذي أمر بالعمل لديه وهو أشهر طاهٍ حلويات في باريس. كان أنتونين يمضي وقته في المكتبة الوطنية عندما يفرغ من عمل المعجنات لدراسة الهندسة المعمارية والفنون والعلوم، وكان أيضاً يرسم بتشجيع من معلمه رسومات مهدت الطريق للأجيال التالية.
" تخرجني مجموعة الرسومات من حالة الفراغ الفكري" أنتونين كاريم
تصاميم أنتونين كاريم لكعكات الطبقات الضخمة
يأسر أنتونين باريس بأكملها بقطعه الفنية للكعكات الضخمة والأنيقة بالنوغا والميرينغ والفاكهة واللوز والتي صنعت بشكل معقد ومدروس.
" الفنون الراقية خمسة، وهي: الرسم والنحت والشعر والموسيقى وفن الحلويات المقتبس من الهندسة المعمارية " " أنتونين كاريم "
في بداية العشرينات من عمره، عمل لدى وزير العلاقات الخارجية لنابليون "تاليران" الملقب بالشيطان الأعرج في قلعة فالينساي، أمر الوزير بأن يعد أنتونين قائمة طعام بأطباق مختلفة مستخدماً المنتجات الموسمية لمدة سنة كاملة كتحدٍ له، دون تكرار نفس الطبق مرة أخرى. ربح أنتونين التحدي بنجاح باهر ونال إعجاب وثقة "تاليران"، والتي جعلت من أطباقه الرائعة لا تنسى وأثبت نفسه في جميع أنحاء أوروبا.
الدبلوماسية في طبق طعام
خلال مؤتمر فيينا، حيث كان من الممكن لإمبراطورية نابليون أن تسقط، أمر "تاليران" الاستراتيجي البارع أنتونين الذي يعرف قيمة طبخه على رقعة الشطرنج الدولية بتقديم أطباق جعلت من نفسه طباخ عظيم. ضاعف أنتونين من قدرته الإبداعية وقدم قائمة تضم: طبق "ڤول أو ڤون[1]" وبأعلاه يخنة سمك الشبوط، مع طبق تحلية يسمى " الدبلوماسي".
أُذهل الرؤساء أمام هذا المستوى الرفيع من الطهي، وبعدها أظهروا تساهلهم تجاه فرنسا. وتمكن الفتى المكافح، الفتى المُتخلى عنه، وفتى الضواحي من تجنب هزيمة فرنسا واستعادة شأن بلاده بموهبته ومهارته. وتصدر انتصار فن الطهو على الدبلوماسية في العناوين الرئيسة للصحف. حتى أن شاتوبريا[2] قال:
أيها الدبلوماسيون الأوروبيون، لستم وحدكم من هدأ العالم المضطرب من هذه العواصف. بل أيضاً الطاهي الماهر، الفنان العظيم، الذي قام بعد ثلاثين عامًا من الحرب والثورات والاضطرابات، بتعليم العالم المنهك مرة أخرى كيف يتناول وجبة غداءه حتى يحصل على وجبة عشاء لذيذة
اشتهر أنتونين في نشر العديد من كتب الطبخ وسفره حول العالم لمدة عشر سنوات؛ لإشباع الرغبات الجشعة للسفراء والأباطرة والأمراء والفنانين..
توفي أنتونين الذي عاش مهنته ككهنوت في الطبخ في 12 من يناير سنة 1833 في عمر يناهز 48، بين ذراعي ابنته وهو يملي عليها الفصول الأخيرة من كتابه.
منذ عام 1877 وحتى اليوم، وضع كبار الطهاة صورة هذا الطاهي العبقري على ميدالية أكاديمية الطهي" كولينيير" في فرنسا كشعار لها.
" الطعام اللذيذ والنبيذ الفاخر يبعثان البهجة في قلب الذواقة"
أنتونين كاريم
ميدالية أكاديمية كولينيير وفيها صورة الطاهي أنتونين كاريم
[1] ڤول أو ڤون طبق يصنع من عجينة باف بيستري على شكل دائري وتكون العجينة جوفاء من الداخل وبداخلها حشوة.
[2] كاتب فرنسي أشتهر باهتمامه بالسياسية.