إضافة إلى مناسبة عيد الميلاد ربما تكون مناسبة منتصف الصيف هي أهم عطلة في السويد في وقتنا الحالي،  كونها تمثل بداية فترة الإجازات الصيفية لكثير من سكان السويد .

أمّا تاريخيًّا فتعود كلًّا من إجازة منتصف الصيف (midsommar)، ورمز هذه الإجازة  midsommarstången  (عمود احتفالية منتصف الصيف) إلى احتفالات سكان المناطق الواقعة شمال أوروبا بالنباتات الربيعية الموسمية.

ففي مجتمع الفلاحين كان منتصف الصيف وقتًا مناسبًا للاستراحة من العمل الدؤوب طيلة العام، وكانوا يعتقدون بأن ليلة منتصف الصيف نفسها ليلة خاصة مليئة بالقوى السحرية والكائنات الخارقة للطبيعة.

 وقد كانت احتفالات منتصف الصيف أحد أهم وأبرز الاحتفالات التي تقام تحت إشراف الكنيسة، لكنها اليوم لم تعد كذلك، ومن المعروف أن عطلة عيد الميلاد تُعدّ احتفالًا وتجمعًا عائليًّا من الدرجة الأولى، أمّا في عطلة منتصف الصيف فإن الاحتفالات تكون أشمل وأوسع حيث تضم الأصدقاء ودائرة المعارف الأوسع نطاقًا.

 ولا تُعتبر إجازة منتصف الصيف احتفالًا وطنيًّا في السويد رغم رفع الأعلام في ذلك اليوم، فقد كان يُحتفل بهذه المناسبة منذ القرن التاسع عشر (أي قبل وجود العَلم السويدي).

Image title

كان احتفال منتصف الصيف احتفالًا يقام في الكنيسة أصلًا؛ كونه احتفالًا بيوم ميلاد النبي يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا عليه السلام) بالأساس، والذي يصادف يوم 24 يونيو، كان هذا هو يوم منتصف الصيف الأصلي في السويد، أمّا في الدنمارك والنرويج فقد ارتبطت احتفالات منتصف الصيف بشكلٍ واضح باسم النبي يوحنا المعمدان أيضا وكان يوم الاحتفال هو 23 يونيو حتى عام 1952،حيث تقرّرَ في عام 1953 أن يتم الاحتفال بإجازة منتصف الصيف في يوم الجمعة الواقع بين 20 و26 يونيو من كل سنة؛ حتى يتناسب مع جداول العمل السنوية.


ولا يُعرَف ما إذا كانت احتفالات منتصف الصيف قائمة خلال فترة ما قبل المسيحية أو هل كان هناك ما يقابلها من احتفاليات مشابهة، إذ يُعدّ الأسقف (أولو مأنوس) أحد أقدم المصادر المتاحة التي تشير إلى وجود احتفالات منتصف الصيف قبل الميلاد في تاريخ الشعوب الإسكندنافية من عام 1555م .

 يصف مأنوس مساء ميلاد القديس يوحنا المعمدان باحتشاد الناس جميعًا في ساحات البلدة أو خارجها، دون تمييزٍ لجنسٍ ولا عمر، يرقص الناس بمرحٍ ونشوة على ضوء النيران المشتعلة، والمضاءة في كل مكان. وإنه لمن المثير للاهتمام أن يتحدث عن إشعال النيران في منتصف الصيف آنذاك، وهو ما يحصل في احتفالات منتصف الصيف المقامة في عصرنا الحالي حيث يقوم الناس بإشعال النار والرقص حولها أيضا.

Image title

http://suecia.kb.se/

عمود منتصف الصيف  

Midsommarstången

هو السمة الرئيسية في احتفالات منتصف الصيف وفي بعض الأوقات كان يُستخدم الاسم  (majstång)، وهو اسم قديم ليس له علاقة بشهر مايو، ويعني التزيين بالأوراق والنباتات.

ويُعتقد بأن احتفالية منتصف الصيف وصلت السويد من ألمانيا خلال العصور الوسطى، حيث يمكن العثور على أقدم الصور في :

Suecia Antiqua

 Erik Dahlberg

التي نُشرت على التوالي في أواخر القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، ولربما تم استخدام عمود منتصف الصيف أو عمود مايو من قِبَل الأطفال الذين جابوا المدن والقرى و"غنوا مايو"  أثناء تسوّلِهم الطعام والمال. 

في الصورة يمكنك رؤية عمود منتصف الصيف وحوله حلقات لولبية، وهو شكله الشائع في ذلك الوقت، بينما في الحقيقة كانت هنالك العديد من الاختلافات في شكل العمود حتى النصف الأول من القرن الثامن عشر وظهور العمود على الشكل المتعارف عليه الآن، ولا تزال هناك اختلافات في أجزاء متفرقة من السويد حول الشكل النهائي لهذا العمود، أما ألمانيا فتتبع نفس التصميم الموجود في:

Suecia

وكمثل ليلة عيد ميلاد المسيح كانت ليلة منتصف الصيف محطة للأساطير والعروض السحرية أيضا، بل كان يُعتقد بأن الكائنات الخارقة للطبيعة تنشط في تلك الليلة بشكلٍ خاص؛ من هذا كانت ليلة منتصف الصيف مناسبة لجمع النباتات التي تستخدم للعلاج والتشافي، وكانوا أيضا يتنبؤون بالمستقبل في تلك الليلة، كما كان يُعتقد بأن المشي عاريًا في تلك الليلة يقوي ويعزز الصحة، وكذلك الاحتفاظ بإكليل من الزهور ليلة منتصف الصيف ووضعه في الحمام أثناء الاستحمام ليلة عيد ميلاد المسيح أيضاً، ولعلّ وضع 7 أو 9 ورود تحت المخدة في ليلة منتصف الصيف حتى ترى في المنام الشخص الذي سوف تقع فيه حبه وتقضي حياتك معه أحد أكثر الطرق استخدامًا إلى وقتنا الحالي في التنبؤ بالمستقبل.

  وهناك فكرة واسعة الانتشار عن كون شريط منتصف الصيف (phallus) يمثّل رمزًا وبقايا من عبادة وتقديس الخصوبة الذكورية القديمة، ومن المسلّم به أن الخصوبة موجودة كموضوع يتمثل في شكل أوراق الشجر والزراعة الجيدة والغطاء النباتي ثم الحصاد، أمّا الموروث القائم على عبادة الخصوبة وربط عمود منتصف الصيف بالعضو الذكري للرجل وارتباطه بالخصوبة، فليس له أي مصدر في الأرشيف السويدي. 

  كان السحر والتنبؤ بالمستقبل من متع الحياة لدى الفلاحين للتغلب على ظروف حياتهم القاسية. 

إن اللعب والمرح  أحد العناصر التي ازداد حضورها قوةً في احتفالات منتصف الصيف خلال القرن العشرين، انتشر اللعب مع ألحان أغنية "الضفادع الصغيرة" كمثال على ذلك، وقد ظهرت هذه الأغنية لأول مرة في كتاب الأغاني في العشرينات وسرعان ما أصبح اللحن مشهورًا إلى جانب لعبة الضفدع في منتصف الصيف، أما النغمة نفسها فتعود إلى أغنية فرنسية استخدمها الجنود البريطانيون خلال حروب نابليون في القرن التاسع عشر للسخرية من الفرنسيين.

Image title

وعندما اتجهت السويد للصناعة في مطلع القرن الماضي، تم اجراء العديد من التغييرات في المدن الكبرى ومع زيادة الثروات والإجازات الطويلة، أصبح الريف وجهة للعطلات أكثر فأكثر، فقد كان لدى العديد من سكان المدينة أقارب من الفلاحين يعملون في الزراعة، وأصبحت مغادرة المدينة خلال منتصف الصيف أحد مميزات هذه الإجازة للاحتفال.

فخلال الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال، طمأنت شبكة المواصلات العامة التي تربط المدن بالأرياف قُراءها في الصحف المحلية أنه وبالرغم من الحرب فإن سَير الرحلات لن يتأثر بل وسوف يتم تسيير رحلات إضافية أثناء إجازة منتصف الصيف تفاعلاً مع الاحتفالات، ونظرًا لأنه لم يكن لدى الجميع القدرة على تحمل تكاليف السفر من المدن إلى الريف للاحتفال، أنشأت مدينة ستوكهولم حديقة سكانسن والتي أصبحت وجهة سياحية للاحتفال بإجازة منتصف الصيف إلى يومنا هذا.

أصبحت سكانسن وجهة سياحية مشهورة للعديد من سكان ستوكهولم لهذا الاحتفال، كما تمتلئ الحانات في الضواحي وفي وسط المدينة للاحتفال أيضاً بهذه المناسبة حتى الصباح. 

ارتفاع نسبة استهلاك الكحول من المظاهر الملتصقة باحتفالات منتصف الصيف السويدية خلال القرن العشرين، ومن المعروف تاريخيًّا بأن السويديين يستهلكون نسبة عالية من الكحول.

 معظم النقابات العمالية السويدية تبدأ عطلتها عندما تغلق المصانع في منتصف الصيف، وهذا يعني أن منتصف الصيف بداية فترة إجازة طويلة إلى حدّ ما، ونظرًا لزيادة طولها لعبت هذه الإجازة المؤسسية دور كبير في الصناعة في البلد.

خلال القرن العشرين ازدادت شعبية احتفالات منتصف الصيف بشكل ملحوظ وارتبطت بشكل متزايد بمفاهيم السويدية العميقة، للحدّ الذي جعل بعض الأصوات خلال العشرينات من القرن الماضي تنادي بأن تكون ليلة منتصف الصيف هي يوم السويد الوطني بدلًا من يوم العَلَم السويدي في 6 يونيو.

 إن ارتباط هذا الاحتفال بفكرة الهوية الثقافية الوطنية السويدية قد عزز بالتأكيد أهمية وشهرة مهرجان منتصف الصيف، وحقيقة أن منتصف الصيف في المجتمع الصناعي في القرن العشرين تزامن مع بداية موسم العطلات جعلت من هذه العطلة عطلة شعبية بامتياز.

الجدير بالذكر بأن هناك بعض السمات المشتركة لهذا الاحتفال في دول الشمال الأوروبي، نتيجة للارتباط الثقافي المشترك بين دول شمال أوروبا.


-ترجمة: د/ زهور عسيري.

-المقال الأصلي:

https://www.nordiskamuseet.se/aretsdagar/midsommarafton