منذ قرن ونيّف من الزمان ، أثناء اندلاع الحرب العالمية الأولى ، وجدت تركيا - التي كانت توصف بالرجل المفلس المريض وهي في أواخر عهدها الإمبراطوري المخزي - في ألمانيا القوة الفتية الناهضة في البر الأوروبي حليفا مناسبا قادرا على مساعدتها على الوقوف بوجه القوى الاستعمارية الأوروبية التقليدية الكبرى وأعني بذلك بريطانيا العظمى وفرنسا الكولونيالية وكذا الجارة الكبرى روسيا القيصرية ، وقد قام التحالف بين الإمبراطوريتين على مقابل مادي بخس يدفع من الألمان ومقابل أخلاقي كبير وخطير جدا يدفع من الأتراك الهمج البرابرة المجرمين عن رضا وطيب خاطر .
وكان من مقتضيات إنفاذ التحالف وجعله واقعا حبس الروس بالبحر الأسود عن طريق إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل بوجه الأسطول الروسي وكذا غزو البر الروسي عبر الحدود الشرقية المشتركة المتاحة ، هناك حيث يقطن على كلا جانبي الحدود شعب صغير مسالم بسيط هو الشعب الأرمني عاثر الحظ .
ولأن تلك الحملة العسكرية التي قادتها تركيا وأشرف عليها حينها وزير الدفاع أنور باشا قد فشلت فشلا ذريعا ومات جل الجنود الأتراك المشاركين فيها من الجوع والبرد والمرض فقد كان من الضروري للدولة الخائبة المتقهقرة أن يتحول أحدهم لشماعة ويدفع ثمن فشلها ودونيتها المفرطة وهذا ما حصل للأسف ، وكان من تبريرات الفشل والهزيمة المدوية والأداء العسكري الهابط الهزيل المتخلف المخزي زعم قيام بعض الأرمن الذين يقطنون على جانبي الحدود حيث وطنهم التاريخي منذ آلاف السنين بمساعدة الروس إخوانهم في الملة والدين لوجستيا ، الروس الذين دافعوا جيدا عن حدودهم الدولية المعترف بها في ذلك الحين .
وعلى أثر ذلك بدأت حملة تطهير وذبح وتهجير قسري واسعة للشعب الأرمني لم يشهد لها التاريخ مثيلا فاقت في بشاعتها وحقارتها ودمويتها ما فعله الصهاينة بنا كفلسطينيين في الأعوام 1947و 1948 .
وقد قتل الأتراك في بداية حملة التصفية في أبريل من العام 1915 شنقا أو رميا بالرصاص المئات من النخب السياسية والمثقفين الكبار وجرى تسريح آلاف الشباب الأرمني من الجيش التركي ونزع سلاحهم وتحويلهم إلى أفواج عمل بالسخرة قبيل تصفيتهم وقتلهم في أماكن نائية بعيدا عن أعين الصحافة والإعلام ، وسيق فيما بعد على مراحل وفترات زمنية متعاقبة مئات آلاف المسنين والنساء والأطفال مخفورين بالعسس والعسكر مسافة تناهز ستمائة ميل ( ألف كيلو متر ) عبر الجبال والوديان التركية القاسية إلى الصحراء السورية القاحلة سيرا على الأقدام بلا طعام أو ماء أو دواء أو ملابس مناسبة وفي ظروف مناخية قاهرة وسيئة للغاية فهلك جلهم بالطريق ومن بقى منهم على قيد الحياة عاني ويلات الذل والاستعباد والخطف والاغتصاب ، خصوصا النساء اليافعات الجميلات اللائي تحولن لسبايا يتسرى بهم ضباط جيش الإجرام العثماني .
ورغم أن الأرمن كانوا قبل التهجير القسري والإبادة الجماعية مواطنين أتراك كاملي الأهلية فقد جرى شطب كل ذلك بجرة قلم و إحلال مواطنين أتراك مسلمين من غرب الأناضول ووسطه محلهم ، وقد ورث هؤلاء ممتلكات الضحايا الأرمن ومنازلهم وأراضيهم بأوامر واضحة صريحة من الحكومة المجرمة ممثلة بوزير الداخلية حينها طلعت باشا ، ولأن ما حصل كان ممنهجا ومدروسا وليس لضرورات أو لدواع عسكرية أقتضتها الحاجة فقد استمرت حملات التهجير والإبادة حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، ولا زالت حتى يومنا هذا بعض الأقاليم الأرمينية الأصل شرق الأناضول محتلة من الدولة التركية كطرابزون وأرضروم وبتليس وفان وموش وقومشهان وارزنجان ، شأنها شأن إقليم الإسكندرون العربي السوري الذي تعادل مساحته نصف مساحة لبنان .
ولم يتوقف الأمر صراحة عند الأرمن الذين دفعوا مرغمين فاتورة الإجرام التركي الكبرى فقد طال إجرام هؤلاء الهمج البرابرة الإحتلاليين أيضا كلا من الأكراد والسريان والكلدان والأشوريين والنبطيين واليونانيين وإن كان بنسب مغايرة أو أقل .
ولقد حان الوقت لفضح جرائم تركيا المتكررة المتوالدة على أوسع نطاق والتي طالت العرب والأكراد والأرمن وغيرهم وفتح دفاتر الحساب القديمة لهذه الدولة الفاشية المجرمة التي شرعت قبل أيام في ارتكاب جريمة جديدة كبرى في البر السوري بمباركة وتشجيع أمريكا الدولة العظمى منبع الشرور والإجرام في عالمنا المعاصر .