حياة الإنسان عادةً مقسّمةٌ إلى مراحل مختلفة ولكل منها شكل وطبيعة ولونٌ ينسجم مع تغيّر الإنسان وعمره وطبعه ومؤثّرات الحياة الخاصّة به وشعوره الدّاخلي ونمط تفكيره وبعد خياله، فمن منّا يقول أنّ أيام شبابه هي الأفضل وآخر يقول أنّ أيام طفولته أفضل، وهذا يعود تقييمه شخصياً حسب كلّ فترة وكيفيّة مرورها أو قضائها ومن الممكن أن يكون هناك نقاط مشتركة بين المراحل لكن هناك جوانب لا توجد إلّا في مرحلة معيّنة لأنها لا تتكرّر ونستنتج من هذا أن التقييم لمعظم الاشخاص يقول: أن فترة الشّباب هي فترة يكون الإنسان فيها بكل عطائه واجتهاده ويحصد فيها من الثّمار الكثير، أمّا فترة الطفولة فقد عُرِفت بمرحلة البراءة وتصرِّف الإنسان بشكلٍ عفويّ بكل إيمانٍ وإخلاص ومن هنا تبدأ حكاية الخرزة الزرقاء.


كان هناك فتاة اسمها عليا وهي في الخامسة من عمرها وتعيش في منطقة ريفيّة صغيرة ولها من الإخوة ستّة وهي ثاني أصغرهم. كانت هذه الفتاة كل يوم تستيقظ باكراً وتصعد إلى سطح المنزل لتراقب شروق الشمس الذي جذبها صدفةً عندما كانت تختبئ من إخوتها أثناء اللعب فأصبح ذلك واجباً تقوم به، وفي إحدى الأيام بينما تراقب الشّروق بصمت وتأمّل وإذا بحمامةٍ تحطّ على رأسها وتتنقّل بين أكتافها وتتّخذ من شعرها مصدر تسليةٍ وهي تُداعبه وتموّجه بأقدامها الصغيرة والتّتي يزيّنها خرزة زرقاء قد وُضِعت من قبل مالكها. 



هنا أصبح ل عليا صديقةٌ جديدة وتشاركها مراقبة الصّباح الجميل وتحدّثها وتداعبها وتمضي وقتها بكلّمرح وسرور حتّى مرّت فترةٌ طويلة على هذا الحال وكأنّها تُجسّد حياة عاشقَين جمعهما شروق شمس. 



صباحٌ جديدٌ تستيقظ فيه الطّفلة عليا ولا تعرف ماذا يخبّئ ذلك اليوم لكن كانت متلهّفةً كعادتها لمقابلة صديقتها على سطح المنزل وقد صعدت لانتظار مجيئها ودام ذلك أكثر من كل يوم حتّى ادركت الطّفلة أن صديقتها لن تأتي مع قبضة قلبٍ ووساوس شيطان تتعارك في رأسها وتقوّلها وتحدّثها بأشياءٍ سوء، وفي قلبها تردّدُ ربّي لا تفجعني بصديقتي فعسى أنّها بخير ولم يصبها مكروه.


نزلت إلى الشّارع حزينةً وحانيةً رأسها علّها تواسي نفسها باللعب مع أصدقاء حيّها وكان ذلك فعلاً لكن بينما تلعب لاحَ لها شيءٌ بجانب جدار منزلها ثمّ اقتربت بكلّ حذر حتّى وصلت فكانت تلك اللحظة بمثابة القشّة التي قسمت ظهر البعير والفاجعة التي لم تتوقّع حدوثها أبداً فقد كانت صديقتها ملقاةً بلا حراك وقد أصابها طلقً ناري أودى بحياتها بعد معاناة ونضالٍ للوصول إلى موعدها مع صديقتها عليا على سطح المنزل لكن لم تُسعفها جراحها وسقطت وهي مشارف نقطة التّلاقي اليومية.



وبعد ذلك حملت الطّفلة عليا وأصدقاؤها ضحيّة الغدر الّتي طالتها الأيادي الظّالمة إلى مثواها الأخير وقاموا بإكرامها دفناً تحت التّراب وتبادلوا التّعازي بينهم بالدّموع والعيون المبلّلة وكأنّه شخصٌ ما قد عاش وجاورهم أعواما، لكنّ عليا أبت أن تُمحى صديقتها الحمامة من ذاكرتها فقد نزعت الخرزة الزرقاء الموجودة في قدم الحمامة وقطعت عهداً نفسها أنّها عندما تكبرستشتري عِقداً من ذهب وتضع فيه الخرزة الزّرقاء ليزيّن عنقها ووتحيي ذكرى صديقتها معبّرة عن حبّها وإخلاصها لها.