في مرحلة من حياتنا، وحين يصبح وعينا متجاوزا لما نحن فيه أو عليه، يلح علينا سؤال من غير استدعاء : ماذا سنترك وراءنا في هذا العالم؟ ما شكل النبرة الذي سنزيد بها على أثير الكون؟ ما من شيء امتلك حِسًّا ثم يتلاشى ، فالذاكرات غير المقيسة آخذة في الازدياد كل يوم!
وقد اعتبرنا-فطرة وعرفا- أن استيلاد الأبناء هو السلوك الوحيد لاستبقاء النوع ، والذِكر، والعمل الصالح لنا وللحياة. إن الأولاد بحق ؛ أعظم هبة أكبر من الحياة، نمنحها للحياة .
ولكن، هو كاف بالتمام أن نكون "والدِين مولودين" لنترك للأرض ما تتذكرنا به؟! لا أظن أننا بهذه الحسبة الضيقة !!
ما نخلفه من إرث بحاجة لأن يكون أطول من عمر فاعله ومستقبله -على حد سواء. ثم لا مفر من أن يمتع بخاصية السياحة ليتجاوز الحدود، والمتاح، والممكن ، بل والمعقول أيضا. إنه الشيء الذي يثبت على هيئتنا وإن انفصل عنا.. والشيء الذي يعود إلينا قاصدا في الوقت الذي فارقناه نحن مرغمين!
"أعمالنا" هي كسبنا العاجل وإرثنا الآجل. وحين نتعرف إلى التاريخ القادم بما يجعله عظيما يفوق نفسه، حينها نستطيع أن نرحل آمنين مطمئنين بأننا تركنا أجمل ما لدينا هنا، وأخذنا أثمن ما لنا من ذكرى هناك.
لدلك كان العمل الصالح مواسياً صاحبه حين تشرع الحياة تبتعد عنه بوجهها المألوف. إنه ما من أحدٍ يفارق الدنيا إلا وهو خائف على ما سيقدم عليه، حزين على ما سيترك خلفه، إلا صاحب العمل الجميل والصالح والجليل، فإنه يعلم أنه ترك إرثا لن تتعقبه وساوس النسيان، ولن تنقض عليه وحوش التفاهة .
أعمالنا إرثنا تسري في الكون.