عرّف العرب قديما العرفج بأنه نبات من نبات الصيف أصله واسع ، أغبر إلى الخضرة ، طيب الريح ، لين ، له زهرة صفراء ، واحده عرفجة. وفي لسان العرب يقال للعرفج إذا مُطر ولان عوده قد ثقب عوده ، فإذا اسودّ شيئا قيل قد قمل ، فإذا ازداد قليلا قيل قد ارقاطّ ، فإذا ازداد شيئا قيل قد أخوص ، وزاد أبو علي القالي في الأمالي: إذا ظهرت عليها خضرة النبات قيل عرفجة خاضبة ، ويقال لمنابت العرفج المشاقر أو الحومان ، ومنبته في روضة واحدة يقال له الرَّجْلَة ، وهو من مآكل الغنم والإبل وقد يؤذيها الإكثار منه إلى التخمة ، قال بن السكيت في الكنز اللغوي: إذا أكلت الإبل العرفج ثم شربت عليه الماء فاجتمع العرفج عجرا في بطونها فاشتكت عليه بطونها قيل قد حبجت تحبج حبجا.

والعرب تقول "إن العرفج قد أدبى" أي قد اتسق نبته إذا أرادت التنبيه للتيقظ والحذر إيذانا باقتراب وقت الغزو. ومن الخصائص التي غلبت على أوصاف نبات العرفج هي سرعة اتقاده ولهبه شديد الحمرة فيقال لمن كانت لحيته حمراء "كأن لحيته ضرام عرفجة" ، ولعل سرعة اتقاده وراء تسمي الرجال والنساء به فنذكر الصحابي عرفجة بن شريح الأشجعي والشاعرة عرفجة الخزاعية. والعرب تسمي العرفج أبا سريع وناره تسمى بنار الزحفتين ، قال الجاحظ في الحيوان إنما قيل لنار العرفج كذلك لأنه إذا التهبت فيه النار أسرعت فيه وعظمت وشاعت واستفاضت في أسرع من كل شيء فمن كان في قربها يزحف عنها ، ثم لا تلبث أن تنطفئ من ساعتها في مثل تلك السرعة ، فيحتاج من يزحف عنها أن يزحف إليها من ساعته فلا تزال للمصطلي كذلك ولا يزال المصطلي بها كذلك.

Image title

وفي الغالب حين يذكر الشعراء العرب العرفج فإنهم يصفون ناره ولهيبها ، كقول لبيد في معلقته:

مَشمولَةٍ غُلِثَت بِنابِتِ عَرفجٍ        كَدُخانِ نارٍ ساطِعٍ أَسنامُها

وقول البحتري:
ضَرِمٌ يَهيجُ السَوطُ مِن شُؤبوبِهِ        هَيجَ الجنائِبِ مِن حَريقِ العَرفجِ

وقول المعري:
الخيرُ كَالعَرفجِ الممطورِ ضَرَّمَهُ         راعٍ يَإِطُّ وَلَمّا أَن ذكا خمدا

من الناحية العلمية فإن العرفج يصنف إلى أربعة أنواع ثلاثة منها بالمغرب العربي إحداها هجين والرابع ينمو في الجزيرة العربية ، وقد جعلت الكويت زهرة العرفج زهرتها الوطنية. ومما سبق ذكره عن نار العرفج فإن احتطابه الجائر كان سببا رئيسيا في تناقص أعداده ثم ندرته خصوصا في دول الخليج مما جعل دولة الكويت كنموذج تسطر برامج وطنية لاستعادة هذا النبات وتشجيع غرسه.

في السنوات الأخيرة نشرت أبحاث علمية جعلت من مستخلصات نبات العرفج موضوعها الأساسي فكانت دراسات عن زيوته العطرية ومركباته الفينولية وكذا مركباته الدهنية حيث أظهرت كلها نشاطات بيولوجية هامة جدا كتثبيط نمو الفطريات المغزلاوية (Fusarium) التي تعتبر العامل المسبب لمرض البيّوض الذي يصيب أشجار النخيل ومحاصيل الحبوب والخضروات كما تثبط بشكل كبير السموم التي تفرزها هذه الفطريات. وأظهرت أيضا المستخلصات الفينولية نشاطات مضادة لأنواع أخرى من الفطريات والبكتيريا. والأحماض الدهنية من أزهار نبات العرفج أظهرت بدورها نشاطا معتبرا كمضاد للأكسدة. وقبل كل هذا فإن الخصائص الطبيعية لنبات العرفج التي جعلت منه نباتا رعويا بامتياز تتجسد في احتوائه على نسب عالية من السيليلوز والمواد العضوية ، المعدنية والآزوتية.

الجدير بالذكر أن نبات العرفج هو نبات متوطن أي أن توزعه مقتصر على أماكن معينة في المشرق والمغرب العربيين وهو ما يضفي عليه ميزة خاصة ، الأمر الذي دفع بباحثين من الجزائر وتونس والكويت إلى التركيز على قيمته البيولوجية ثم البيئية ونشر أبحاثهم لتلفت أنظار صناع القرار وكذا الرأي العام في هذه البلدان إلى هذا النبات وأمثاله المتكيف مع البيئات الجافة أو الصحراوية. ونخلص للقول بأن نبات العرفج قد سجل نفسه في التراث الأدبي العربي القديم ثم هو يسجل نفسه اليوم في محاور علمية بمجمل خصائصه ومميزاته.