منذ منتصف القرن الثامن عشر انطلقت في بريطانيا ثورة صناعية أدت إلى تحولها تدريجيا إلى قوة عظمى ، ولم تتمكن بريطانيا من الاحتفاظ طويلا بأسرار تفوقها العلمي والاقتصادي والتقني آنذاك ، فقد سعت الدول الأوروبية المجاورة لها إلى اللحاق بها و منافستها في ذلك ، بداية وعلى الأخص المانيا وفرنسا ، ومن ثم ايطاليا وبلجيكا وهولندا وسويسرا وبقية الدول الاسكندنافية ، فكان أن حققت تلك البلدان ثورات صناعية مشابهة خاصة بها ، وسرعان ما انتقلت العدوى إلى كل من أمريكا الشمالية واليابان وروسيا القيصرية .
في ذلك الوقت كانت أمتنا راقدة مخدرة تغط في سبات عميق ، وكان العالم العربي في معظمه - باستثناء نجد وبعض محميات الخليج الحالية وأجزاء من اليمن والمغرب الأقصى - خاضعا لاحتلال مجرم قاس غبي تخديري مدمر للطاقات ومتخلف هو الاحتلال العثماني ، احتلال أطلق من تزعموه على أنفسهم مسمى ( خلفاء ) ظلما وزورا وبهتانا بهدف تزيينه في عيون الجهلة والبلهاء من أبناء أمتنا ، في عملية استغفال عظمى !!! .
وبعد : لقد كانت بلداننا قبل ابتلائها بالاحتلال العثماني بفترة وجيزة في مستوى حضاري مواز تقريبا للمستوى الحضاري الغربي بعد أن كانت متفوقة لأسباب لا مجال لذكرها ، وقد هيأ طول عمرالاحتلال العثماني الذي دام أربعة قرون ونيف – وسياسة العزلة التي فرضها علينا المحتل وحالة المركزية المقصودة أفضل الظروف لإنجاح الاحتلال الأوروبي المستقبلي لبلداننا الضحية ، من خلال إنتاج وترسيخ كل عوامل الضعف الداخلي والتجهيل والتجميد والتخلف الحضاري والاجتماعي ، وقد كان العثمانيون في ذلك كله معذورين فهم كقبائل ينتسبون إلى العرق الأصفر المغولي الدموي الهمجي المتخلف ، ولم يعرف عنهم طوال تسيّدهم علينا وعلى غيرنا من أمم الأرض التي ابتليت بهم ( بعض دول شرق أوروبا مثالا ) وإلى يومنا هذا أي إنجاز لا في مجال العلوم أو الفنون أو الآداب أو غيرها ، ففاقد الشيء لا يعطيه ، ويستثنى من ذلك ما عرف عنهم من ابتداعهم وابتكارهم لعقوبات تتنافى مع ابسط حقوق الإنسان مثل الإعدام بالتوسيط أو على الخازوق !!!
وبعد : عندما أطالع هذا التاريخ المخزي الذي سالت فيه دماء العرب - مسلمين وغير مسلمين – أنهرا على يد جيرانهم العثمانيين السنة المسلمين ، ظلما وعدوانا وبلا مبرر اللهم إلا شهوة التجبر والسلطان ، يشجيني استذكار ومطالعة قصص القتل والسبي واغتصاب النساء والصبيان بالجملة ، وكذا حوادث النهب المنظم ومصادرة الخيرات والأرزاق والثروات والبيوت من أصحابها على يد اللقطاء من جيش الإنكشارية السكارى ، فضلا عن اعتقال وترحيل الصنايعية والحرفيين غصبا ليشاركوا في عمارة و بناء طرق ومدن المحتل الغاصب المستبد مجانا بدلا من عمارة أوطانهم ، يحزنني فقدان تلك الأرض العربية السورية الساحرة ، أقصد لواء الإسكندرون المحتل من قبل أحفاد بني عثمان في العام 1939 والذي تعادل مساحته نصف مساحة لبنان ، يحزنني أن يحتفي باحتلالهم لنا بعض من أبناء جلدتنا الجهلة المغرر بهم بحجة كونهم مسلمين ، وكأن من كان يحكمنا قبلهم على مدار تسعة قرون تقريبا كانوا يهود أو نصارى أو مجوس !!! .
يحزنني أن يمجد البعض السلطان العثماني عبد الحميد كمقاوم عظيم للأطماع الصهيونية وهو أول من تفاوض مع يهود في العصر الحديث وكذا أول من أتاح الهجرة إلى فلسطين وتملك الأراضي فيها على نطاق واسع حيث سمح بإقامة أول ثلاث مستوطنات صهيونية في ظل حكمه وهي : ريشون لتسيون 1878 وبتاح تكفا 1878 وزخرون يعقوب1882 ، وهي مستوطنات أقيمت على أنقاض القرى الفلسطينية التالية : عيون قارة وملبس و زمارين !! .
وفي الختام نقول : قد لا تكون تركيا الإمبراطورية الاستبدادية في منتصف القرن الثامن عشر على معرفة أو على اطلاع بما يدور حولها ، اقصد في بعض بلدان القارة الأوروبية التي نجاها القدر من تسلطها واحتلالها البغيض المتخلف المخزي ، وقد تكون غير راغبة في انتقال عدوى التطور والثورة الصناعية إليها لسبب ما نجهله وهذا شأنها ، ولكن ليس من حقها كدولة محتلة أن تفرض على الأقوام الاخرى الخاضعة عنوة لحكمها عزلة ثقافية وعلمية قاسية لتحول بينهم وبين معرفة ما يدور في العالم ولتحول دون انتقال عدوى التطور إليهم ، وهذا ما حصل معنا للأسف ، فقد كنا ضحايا لاحتلال جاهل غبي متخلف وسنظل ندفع فاتورة ذلك ربما إلى قيام الساعة ، لذا فليخرس المهللون والمطبلون ممن يحنون للخازوق العثماني ماضيا وللدور التركي الأطلسي المشبوه حاضرا ... !!! .
الاحتلال العثماني وكذبة الخلافة
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين