د. علي بانافع
سُئِل أحد الحكماء يوماً: ما هو الفرق بين من يتلفظ بالحب ومن يعيشه؟! لم يجب الحكيم السائلين لكنه دعاهم إلى وليمة، وبدأ بالذين لم تتجاوز كلمة المحبة شفاههم ولم ينزلوها بعد إلى قلوبهم، وجلس إلى المائدة، وهم جلسوا بعده، ثم أحضر الحساء وسكبه لهم، وأحضر لكل واحد منهم ملعقة بطول متر!! واشترط عليهم أن يحتسوه بهذه الملعقة العجيبة!! حاولوا جاهدين لكنهم لم يفلحوا، فكل واحد منهم لم يقدر أن يُوصل الحساء إلى فمه دون أن يُسكبه على الأرض، وقاموا جائعين في ذلك اليوم.
قال الحكيم: حسناً، والآن انظروا ودعا الذين يحملون الحب داخل قلوبهم إلى نفس المائدة، فأقبلوا والنور يتلألأ على وجوههم، وقدم إليهم نفس الملاعق الطويلة، فأخذ كلّ واحد منهم ملعقته وملأها بالحساء ثم مدّها إلى جاره الذي بجانبه، وبذلك شبعوا جميعهم ثم حمدوا الله وقاموا شبعانين.
فقال الحكيم: من يُفكر على مائدة الحياة أن يُشبِع نفسه فقط فسيبقى جائعاً، ومن يُفكر أن يشبع أخاه سيشبع الإثنان معاً، فمن يُعطي هو الرابح دوماً لا من يأخذ فقط، هذا هو الحب إنه فن العطاء!!
والحب دائماً يُثمر النجاح، والنجاح هو تلك الكلمة البراقة التي ما إن تُذكر إلا ويسيل لها لعاب العقل، والنجاح في أذهان الكثيرين الثراء والرفاهية وكثرة الأدوات، بغية الوصول إلى السعادة، رغم النجاح الذي حققته بعض الدول الغربية المتقدمة إلا أن هناك انتحار وتفكك أسري ومصحات نفسية يتردد عليها المواطنون في تلك الدول، الناس هناك يشعرون بفراغ روحي لم تملؤه العلاقات الاجتماعية الأخوية رغم الوفرة المادية، على النقيض من ذلك في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، حين تجد مسلماً فقيراً يحصل على قوته بالكاد إلا أنه في غاية الصفاء الروحي، هذا هو الفرق!!
المسلم مشدود إلى الآخرة ومتشوق إلى الفوز برضوان الله عز وجل، فالإنسان ما هو إلا جسد وروح وبقدر ما ارتقت الروح إلى المعالي بقدر ما كانت السعادة، ليس هذا تقليلاً أو حطاً من شأن النجاحات الدنيوية وإنما التوازن بين مطالب الروح والجسد أصبح ضرورة ملحة في هذه الأيام.
على قدر كرمك وعطائك يذكرك الآخرون روعة الإنسان ليست بما يملك بل بما يمنح؛ فالشمس كتلة من نار، لكنها أعطت الكون أجمل ما لديها فلا غنى عنها، وبعض الناس كمفاتيح الذهب يفتحون كل قلب بكريم أخلاقهم وبحسن كلامهم، فالأخلاق هي الروح التي لا تموت أبداً، فما أجمل أن تسير بين الناس ويفوح منك عطر أخلاقك.
فأصالة عن نفسي ونيابة عن زملائي منسوبي ثانوية ابن حزم بينبع الصناعية، نقدم باقة شكر لقائدنا الأستاذ القدير والمربي الفاضل: طاهر بن عطية الغامدي الذي كان ولا زال بكرم أخلاقه لنا مُعلّماً بطلاقة الوجه واﻻهتمام والسؤال والإطعام والخدمة، والكرم خلة إنسانية نبيلة امتاز بها أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والعرب على سائر الشعوب والأمم فإنهم يُكرمون كرم من ﻻ يخشى الفقر.