واجهت كل شعوب الأرض التي شاء لها القدر أن تقع ضحية استعمار أو احتلال جلاديها بجبهات موحدة متراصة متكاتفة ، وكان يجري عامدا تعطيل ونزع كل فتائل الصراع القبلي أو المصلحي الطبقي أو المذهبي الديني الطائفي ... الخ ، لحين تحقق الهدف الاستراتيجي الرئيس ، واعني بذلك جلاء المحتل و انجاز الاستقلال .
إلا هنا ... واقصد بهنا فلسطين ، هذا ( المورصو ) الصغير من الأرض بلغة أو لهجة أشقائنا في المغرب العربي الحبيب - والتي هي مزيج من العربية المكسرة والفرنسية - المورصو الصغير مساحة ولكنة الكبير مكانة ، كمركز من مراكز الصراع الحضاري الرئيسة في هذا العالم منذ قرون !!
هنا ... حيث فشلنا قادة وتنظيمات وقوى مجتمعية ومثقفين لسبب مجهول أو ربما لخلل ما في جيناتنا أو قصور في وعينا وإدراكنا في التوافق على تشكيل جبهة واحدة موحدة تدير الصراع الدامي مع هذا المحتل الغاشم على نحو صحيح أو مقبول .
هنا حيث جرى عامدا تقديم و إعلاء المصالح الحزبية الضيقة على المصالح الحقيقية للوطن والشعب والقضية ، و حيث تحول كل فصيل إلى ( عصابة !! ) وتمسك بصوابية برنامجه ونهجه النضالي , والنتيجة كانت بعد سبعة عقود من التضحيات و الشقاء و التعتير ، صفر كبير ومعاناة لا تنتهي إلا لتبدأ أخرى في كل ساحات الوطن والشتات .
وتكاثر القادة بفعل تكاثر التنظيمات والفصائل تكاثر الفطر في البرية ، وتبدد قسم كبير من ميزانيات الدعم والنضال والصمود على تغطية مصاريف الرؤوس والزعماء و أبنائهم و عوائلهم وخدمهم وحشمهم ومرافقيهم وحلهم وترحالهم و كروشهم واستشفائهم و بواسيرهم التي ارتخت وتدلت بفعل المكوث الطويل على كراسي النضال !!
وأثرى من أثرى على حساب الوطن والقضية ، وصار من كان بالأمس القريب معوزا فقيرا وبيته وبيت أبيه وجده من الطين أو القرميد أو الزينكو من كبار الملاكين وصاحب أرصدة بنكية متخمة ، و طال ذلك أبناءه و حاشيته ومريديه و المطبلين له و المزمرين وكله من عرق النضال !!
و لأنها تكية الوالد ، فتوريث الأبناء فيها الوظائف المهمة و المراتب العليا و تأمين مستقبلهم و مستقبل الأحفاد من الأموال العامة المنهوبة جائز وشرعي ومقبول !!
وظل الفقراء والغلابة والمطحونون من أبناء الشعب وهم الغالبية الساحقة و وقود المعركة وأصحاب القضية الحقيقيون ومنهم تتكون كل مخيمات اللجوء بالوطن والشتات ، خارج حسابات كثير من القادة الذين صنعتهم و فرضتهم عوامل شتى ، والاحتلال أحيانا في حالات نادرة معروفة و مفضوحة ، وفي حالات كثيرة لم تتضرر جديا هنا أو هناك مصالح أي منهم بفعل الانقسام المنتن البغيض ، و كأن عموم الناس تعيش بكوكب وهم بكوكب آخر ،
هنا حيث تقاتلنا و تحاربنا كما لم يتحارب احد من اجل الكرسي و للتربع على عرش سلطة وهمية في ظل الاحتلال وخون بعضنا بعضنا ، واستحل بعضنا دم البعض الآخر ، وكثرت في سبيل ذلك الفتاوى والتفاسير المسيسة للمقدس ، وكثر الناهقون الموتورون ، وصار الدين مطية ومعولا و سلاحا يذبح به بعضنا بعضنا الآخر وصار الدم ماء والوطن جوربا !!
هنا ... حيث جرى تغليف الوهم وتسويقه واستنزاف طاقات الناس و مقومات صمودهم في وطنهم و على ما تبقى من أرضهم عامدا واستمر ذلك طويلا و مليا ، فالتوقف افتضاح للمستور ومصيبة وإيذانا بانتهاء الدور الخطير المرسوم للبعض !!
لذا كان لابد من تحقيق انتصارات وهمية متتالية لتطويع و إخراس كل من يفكر بالجأر أو الشكوى والاعتراض من أبناء الشعب المرهق الصابر المرابط !! ولكن إلى متى ؟؟ و إلى أي مدى ؟؟ ، إلى متى يعتقد هؤلاء أن بإمكانهم الاستمرار في الكذب والدجل والتزوير والنهب و الضحك على ذقون الناس ؟؟!! .
هنا حيث أعطى التجار و عباد الكرسي الذريعة للاحتلال لقصف شعب اعزل بالدبابات و المدفعية الثقيلة و الصورايخ و قنابل الطائرات ، وتدمير أحياء كاملة ، فضلا عن تشريد مئات الآلاف ، مقابل ادعاءات باهتة لا تقنع بصيرا بإيلام العدو و بالنصر والتمكين و انطلاق مشروع التحرير المؤزر !! .
إن كانوا عاجزين عن توفير ابسط مقومات الحياة الكريمة للناس كالكهرباء و غاز الطهي وماء الشرب النظيف ، فكيف سيكون بإمكانهم القيام بأعباء التحرير الكامل !!! هنا ... حيث لا احد يحب احد أو يثق به -على مستوى الفصائل والأحزاب – و يسعى ما استطاع إلى إزاحته أو النيل منه والانقلاب عليه !! ، ومتابعة بسيطة لفضائيات القوم و وسائل إعلامهم أو بعض صحفهم تؤكد صحة ما نذهب إليه .
لن تتحرر فلسطين بأمثال هؤلاء ، وهؤلاء لن يحرروها إن اسطاعوا ، فجلهم دجالون و مصالحهم تتضاد مع التحرير و مع المصالح الحقيقية لعموم الناس ، وهم يتربحون و يتضخمون و يقتاتون من بؤس الناس ومعاناتهم التي فاقموها عامدا ، وهم يتنعمون في جنانهم الدنيوية التي حازوها أو بنوها بأموال غنائم منهوبة لم تحل لهم يوما ولن تحل أبدا ولكنها لعنة الأقدار !! .
ختاما ... لمن لا ( يريدون علوا ولا فسادا ) -إن بقي منهم احد بهذه الديار -ألف تحية و سلام !! ... ويا نجمة داوود ابتهلي !!
لهذه الأسباب لن تتحرر فلسطين في المدى المنظور
تدوينات اخرى للكاتب
دين محرف ، دين مختطف , دين منزوع الدسم !!
واهم وجاهل من يعتقد أن الإسلام كدين سلم من التحريف والتبديل والدس والوضع ومن الخطف والاستغلال والإخفاء ونقصد بذلك كتمان بعض النصوص الدينية ك...
نصار محمد جرادة
الاحتلال العثماني وكذبة الخلافة
منذ منتصف القرن الثامن عشر انطلقت في بريطانيا ثورة صناعية أدت...
نصار محمد جرادة
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين