«أعتقدُ أن أعظمَ مُنْتَجٍ فكري قدّمتْهُ الحالة السلفية في المشهد السّعودي هو «مآلات الخطاب المدني» لإبراهيم السكران».
*قالها الشيخ المهندس عبد الله العجيري في محاضرة «مركزية القرآن الكريم في السِّجال الفكري المعاصر»
كتاب إبراهيم السكران «مآلات الخطاب المدني» هو بالنسبة إلى المؤلف «منعطف حياتي» أو بمثابة إعلان توبة وانسحاب من معسكرٍ إلى معسكرٍ مختلفٍ تماماً... حيثُيقول عن نفسه:
... كل من نقدني، وأساء القول فيّ، وخاض في عرضي، بناءً على كلام لي قبل «ورقة المآلات»، فقد صدق وبرّ وما تجاوز الحق قيد أنملة، بل هو مأجور إن شاء الله، فإن ماكتبتُهُ قبل «ورقة المآلات» يستحق اللوم والتقريع، وأنا أبرأ إلى الله من كلّ حرفٍ خططتُهُ قبل ورقة «مآلات الخطاب المدني»، وأُحذر كل شاب مسلم من أن يغتر بمثل هذهالمقالات التي كنتُ فيها ضحية الخطاب المدني المعاصر الذي يغالي في الحضارة والتسامح مع المخالف.
وهو بالنسبة إلى القارئ ليس كتاباً يُقرأ ثم يُلقى على رفِّ المكتبةِ من دون اكتراثٍ، حتى تتناثرَ على غلافهِ جزيئات التراب! بل الكتاب برّمتهِ لا يُقرأ مرة واحدة فقط ثمّ يُهجَربعد ذلك! بل يقرأ مرتين... وثلاثاً... وأربعاً، والحاذِق الفطِن مَن لخّصَهُ ونهل من معين علمه واستشهد من رحيق أدلّته.
أقول بعد فراغي من قراءته: هذا الكتاب فرضُ عينٍ على كل طالبِ علمٍ أسّسَ نفسَهُ في العلوم الشرعية، ورامَ القراءةَ في الكتب الفكريّة لكي يذود عن عقيدته، ويدفع التّهم عن دينه ويحول دون الطعن فيه، ويملك تقنيات المناقشة، وأدوات المجادلة، وإلا فسوف يشقى ويضيّعُ وقتاً بين ردهات الفكر، وسيهيم كثيراً في أودية التحليلات، ويغرق فيبحر تفسير الخطابات المدنية المعاصرة، إلا من رحمَ الله وأقالَ عثْرتَهُ من وحل أفكارهم النتن!
كلّما تصفحتُ مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيّما «تويتر»، ينتابني ذلك الحُزْنَ الغائر في مكامن أعماق صدري لما أقرؤه من طعنٍ في الدين، وتقليل من حقائق وتقريراتالقرآن، وتشكيكٍ في السّنة، ومن الخطابات الجريئة المحرضة للنيل من العلماء، والتقليل من شأنهم، والحط من قدرهم، والتي غايتها إسقاط هيبتهم، لكي يجري إسقاطالمجتمع بسهولةٍ، لأنهم درع المجتمعات المتينة... وبواعث هذا الحزن هي أنني لا أعرف كيف أردّ على أباطيل المناوئين، ولا استحضر الأدلة القرآنية لقمع تُرّهات المناهضين كس أدافع عن ديني وأنتصرُ له... ولكن ما إن قرأتُ «المآلات» وانثالت عليّ الأدلّة الواضحة انثيالاً حتى غبطتُ نفسي على نعمة القراءة لهذا العَلَم النحرير الذي سأظلّ - بإذن الله - أنتصب أمامهُ بإجلال صادق.
وأنا أقول في هذه المقالة: يا حسرتاه على كل قارئٍ لم يُلخّصه أو - على أقلّ الأحوال - يُدوّن مسائله، وخصوصًا أن المواضيع المُثارة التي ناقشها شيخنُا حيّة، [والخطابالذي ردّ عليه خطابٌ جديد ونشط ومتنامٍ في أوساط الشريحة المولعة بالثقافة وذوي المنزع الفكري، ويحظى بحفاوة المؤسسات الإعلاميّة من صحف وفضاءات وغيرها]
الكتاب ليس صعباً على من اطلع على المقالات المكتوبة على الساحة حالياً، وعرف التوجهات الفكريّة... وقوة الكتاب تكمن في الاستنباطات القرآنية، والردود المفحمة، وهيبلا شك تعتبر ذخيرة لمن أراد أن يرد ويُجادل ويدافع عن دينه - كما أسلفتُ - ولكن ربّما تُشكِلُ بعض المصطلحات، التي أوردها بين دفّتَي المؤلَّف [الذي يعشق المصطلحاتالأجنبية شبه المعرّبة] كما قال السمهري، في معْرِض نقده للسكران.
في نِهاية دراسته النقدية ص ٢٨٤ وبعد ما ذمّ طريقة ترتيب هرم الأولويات عند دعاة المدنيّة، وكيف أنه أصبح مقلوباً على رأسه، وثلب الانقلابات المفاهيميّة عندهم، تجاهالنهضة، والحضارة، والمدنية الماديّة، والرّفاه، والتنوير، والعمارة والاستخلاف... إلخ، قال:
يهمّني كثيراً أن أُؤكّد مجدداً، وبشكلٍ خاص، أن هدف هذه الورقة ليس التزهيد في شأن إعداد القوة واتّخاذ الإمكانات الحديثة، ولا تحريم الطيبات والرّفاه، وإنما الباعثالجوهري لكتابة هذه الدراسة: تنامي الخلل في «ترتيب الأوليات» عند قطاع واسع من المثقفين، ممّا ترتب عليه تضييع كثير من حقائق الوحي، والإساءة إلى مشروعالنهضة ذاته، حتى صارت العلوم المدنية هي «الغاية»، والعلوم الإلهية مجرد «وسيلة» تابعة لها! مع أن حقائق القرآن جاءت بعكس ذلك تماماً وجعلت العلوم الإلهيّة هيالأصل وغيرها تابع خادم لها.
فهد بن محمّد التّميمي
انتهيتُ من قراءته :
٢٢ - ١ - ١٤٤١ هـ
٢١ - ٩ - ٢٠١٩ م