Image title

Image title


هاتان قصاصتانِ وقعتُ عليهما على حين غرّةٍ مني وأنا أُفتّشُ في صندوق رسائلي القديمة


هذه الرسائل الصغيرة تعيدني إلى الخلف... إلى فهد الذي لم أَعِدْهُ، ولم يَعُدْني كذلك، لا شكلاً ولا فكراً، ولا طموحاً ولا طهارةً! ولكن تبقى بعض الجزيئات التكوينية منالقديم في فهد الحاضر، الذي بلا شكّ لن أكونهُ بعد مدةٍ من الزّمن.. وقعتُ على رسالتينِ من رسائل « سعد بن ناصر » صديق الطفولة الوفي، الذي عندما حطّتْ قدماه فيقريتنا الصغيرة (الخُبيزيّة - نعام) شغل الناس وملأ الدنيا، لا من تجديده لمفاهيم عدةٍ في أذهاننا بصفتنا أطفالاً - وهو طفل - ولا من التناقضات التي تكمن بين ثناياصدره؛ فمن تناقضاته التي لا حدّ لها أنك تجده يحضُّنا بحزمٍ على ارتكاب أشنع الجرائم، التي تحط من أقدارنا، وتقلل من الثقة بنا (من سرقةٍ وتهجّمٍ، وتخريبٍ، وسطوٍعلى المزارع... إلخ)، ومع هذا وفي الإطار المكاني نفسه كان يحذّرنا من مغبّة الكذب، وسوء الفجور في الخصومة، ومن خوارم المروءة! كما يحثّنا على المرجلة، والشجاعة،وعلى فعل الخير وترك الشرّ وكل ذي شرٍ، ولكن ما إن تسنَحُ له فرصة لتحقيق «المجد» الذي يصبو إليه –آنذاك - حتى أراه ضربَ بمواعظه عرض الحائطِ، ونكص علىعقبيه، بل وخلع رداء النّاصح الأمين لأجل أن يلبس لباس الثائر المشاكس الذي لن يقرّ له قرار ولن يهدأ له بال إلا بعد أن يضرب فلاناً، ويشتم عِلاناً، أو يسطو على مزرعة... بل بعض الأحيان وبرعاية ودعم «إبليس» يحمل روحه على راحتيْهِ ويُلقي بها في مَهَاوِي الرّدى، حتى تهدأ ثائرته ويؤوب إلى رشده مستغفراً تائباً عائداً إلى سيرته الأولى! ونحن في غفلةٍ من أمرنا، ما أن يفعَلَ فعلةً حتى كنا نُسابق الريح تأديةً لأوامره؛ «معه... معه» سواء أكان في شرٍ أم في خيرٍ... والمصيبة أننا لا نسأله عما يفعل ولا نناكفه في ما قرّر، بل نغضب لغضبه ولا نسأله: فيم غضب؟! كلٌ منّا يسلّ سيفهُ - مباشرةً - ويركب جواده ويمتطي الرّيح ليطوي الأرض طياً... إلى أين؟! إلى تحقيق رغبات سيده«الطفل» الهوجاء! ولكن:


وما أنا إلا منْ «غَزِيّةَ» إن غـوتْ

غويتُ.. وإن تَرْشُدْ غزيةُ أرْشُـدِ!


والعجيب في شخصية «سعد» أنه عندما كان طفلاً، كان قاصّاً مميزاً [حكواتي] وشاعراً مُجيداً، وكاتباً متأنقاً - ولولا تكاليف الحياة التي أزرت به لرأيتموه ماداً قدميْهِ فيبُحْبوحةِ المجد! وما يؤكّد أنّه - إضافة إلى كونه صقراً من صقور القيادة - وفارس من فرسان القلم، ما كانت تخطّهُ أناملَهُ لي من رسائل عفّى عليها الزمن حتّى دَرَسَتْ آثارها، ونُسِيت معالمها، أو دعني أقول بكل ثقةٍ «مُحيتْ» من أذهان الأطفال الذين أصبحوا رجالاً اليوم... ولكن هيهات أن تُمحى من ذاكرتي الوَلْهَى التي لا تتنكر لماضٍ عاشته، ولا لحياةٍ ألِفتها... والتي تمزّقتْ حنيناً - ومازالت - إلى مرابع صباها و أيامها المنصرمة... وكيف تُنْسَى أصلاً وهي حاضرة معي، وفي كلّ يومٍ أتبلّغُ منها بمايدفعني لأستكمل طريقي إلى المستقبل:


للحين أقول ابْكلّ مَا امْلِك من احْسَاس

الحلو في مسـتقبلي ... «ذكرياتي»!