مخطئ أي محلل سياسي أو استراتيجي يقول و يجزم بحتمية وقوع الحرب بين الولايات المتحدة و إيران، فالمواجهة بين البلدين تخضع للعملية النسبية و يحدد القول الفصل فيها إمكانية تحقيق الأهداف التي جعلت أمريكا ترسل أساطيلها إلى هذه المنطقة من عدمها. و المتابع للأوضاع السياسية و العسكرية عموما يرى أن الواقعين الاقتصادي و العسكري لا يسمحان بحدوث مواجهة شاملة في المنطقة.  و أن نسبة احتمال وقوعها ضعيفة جداً ربما لا تتجاوز 2-5% . و السبب هو أن وقوع أي مواجهة بين أمريكا و إيران في هذه المنطقة الحساسة إقتصادياً للعالم أجمع ستكون نتائجها كارثة إقتصادية عالمية ليس على بلدان المنطقة فحسب. فإمدادات الطاقة عموماً و ما ينتج عنها من إنعكاسات يصعب حصرها كلها تمر عبر الخليج. و أما بالنسبة للبلدين و دول المنطقة فستكون الآثار اكبر و أعظم بطبيعة الحال خصوصاً لجهة الخسائر البشرية و العسكرية في حال كانت المواجهة شاملة.

لهذه الأسباب و غيرها مما سنوردها لاحقاً نميل إلى ضعف إحتمالية حدوث مواجهة شاملة كالتي يطبّل لها الإعلام المستأجر و الموجَّه في معظمه بعيداً عن التحليل المنطقي و الواقعي.
فبالنسبة للحشود الأمريكية فإنه توجد ثلاثة أسباب وراءها بعد إلغاء الإتفاقية النووية مع إيران هي:
1- إستجابة لمصلحة إسرائيلية بإيذاء إيران إقتصادياً و عسكرياً و منعها من إمتلاك سلاح نووي باعتبارها المهدد الأول لوجود هذا الكيان في الوقت الحالي.
2- إبتزاز إقتصادي لدول الخليج و التي صرح ترامب و بمناسبات عدة و من أعلى المنابر بأن عليها أن تدفع المليارات لبلاده مقابل الحماية و شراء الأسلحة.  
3- إشراك دول المنطقة بما يسمى صفقة القرن لحل القضية الفلسطينية و تحميلها الأعباء المادية التي ستترتب بحسب بنود هذه الصفقة، فاستجابة هذه الدول تحت ضغوط المواجهة مع إيران ستكون اسهل و أضمن.
ثانيا/ هل ستتحقق إدارة ترامب هذه الأهداف ؟
بالنسبة للهدف الاول أي إيذاء إيران إقتصادياً و عسكرياً فقد يتحقق جزئياً و فقط في شقه الإقتصادي. فالإقتصاد الإيراني و منذ سنين طويلة يئن تحت الحصار المفروض عليه و ستزيده المواجهة قطعاً سوءاّ في حال حدوثها و لكنه لن ينهار و أيضاً لن يكون له ارتدادات اجتماعية كما تتمنى أمريكا لأسباب أيديولوجية خاصة بالشعب الإيراني.
أما الشق العسكري فإن إيران شبه مكتفية ذاتياً بصناعتها العسكرية المتنوعة في البر و البحر و الجو و قد تستفيد منه في تطوير أسلحتها التقليدية و ربما النووية كاستجابة طبيعية لحالة المواجهة المتوقعة مع دولة عظمى تهدد وحودها.
و فيما يخص الهدف الثاني و هو الأسهل و الأضمن للتحقق بين الأهداف الثلاثة، فمجرد إيجاد حالة من التوتر في المنطقة و الترويج للمواجهة مع إيران كفيلان بخلق حال من الخوف و الهلع عند صناع القرار في الدول الخليجية و بالتالي الاستعداد لتقديم كل ما يُطلب أمريكياً لضمان سلامتها و حمايتها من العدو الإيراني. 
  أما بالنسبة لصفقة القرن فإن الدول الخليجية ليس لها الخيار أمام الضغط الأمريكي و حالة المواجهة مع إيران سوى الموافقة و الاستجابة لما يُطلب منها. و لكن صفقة القرن ربما لن تمر  و ستفشل بسبب الموقف الفلسطيني الرافض لها، و هو عنصر أساسي لا يمكن تجاوزه قبل تطبيقها و تنفيذها.
ثالثاً/ عند التوقف عند هذه الأهداف و الأسباب التي دفعت إدارة ترامب لإرسال الأساطيل و البوارج للمنطقة و التدقيق فيها نلاحظ ان ليس من بينها هدف واحد يخص العلاقة الثنائية المباشرة بين أمريكا و إيران يُحتّم الحرب و يفرض المواجهة و بالتالي تعريض المصالح الأمريكية الحقيقية في المنطقة للخطر إذ أن احتمال خسارة أمريكا للمعركة وارد و كما حصل في سوريا و العراق.
رابعاً/ إذا جئنا إلى ميزان القوى العسكرية بين أمريكا و إيران فلا شك أنه لا توجد مقارنة تذكر بين القوتين العسكريتين .. هذا إذا أردنا المقارنة الكلية الشاملة فأمريكا هي الدولة العظمى و الاولى في العالم عسكرياً و الإقتصادياً.
أما اذا أردنا أن نقارن بين القوتين على الأرض و في البحار فإنها تعني القوة الكلية المتوفرة لإيران و القوة الجزئية التي تنوي الولايات المتحدة استخدامها في المواجهة إذا ما حصلت.. و هنا نرى انها تميل لصالح إيران أكثر و لأسباب كثيرة منها:
مقدرة إيران على استهداف و تدمير البوارج و حاملات الطائرات الأمريكية في الخليج.
إذ أن جودها في الخليج سوف يجعلها أهدافاً سهلة للمدافع و ليس فقط للصواريخ الإيرانية بسبب ضيق المساحة التي سوف تتحرك بها هذه القطع ..بل و سيجعلها محاصرة في نطاق ضيق أقصاه في مدى معظم الأسلحة الإيرانية. 
و هذا ما يجعل القيادة الأمريكية تحسب له ألف حساب قبل الدخول في المواجهة المباشرة.
كذلك بالنسبة لمضيق هرمز فلدى إيران القدرة و الإمكانات العسكرية اللازمة لإغلاقة في وجه الملاحة الدولية. و ذلك عن طريق نشر كميات كبيرة من الألغام البحرية التي ستشكل خطراً كبيراً على جميع السفن التي تمر من خلاله.
كذلك فإن بإمكان إيران أن تدمر عدداً من ناقلات النفط و السفن العملاقة في المضيق الذي لا يتجاوز عرضه العميق الثلاثة كيلو مترات عند أضيق نقطة فيه. و في حال حدوث أي من الحالتين الألغام أو تدمير السفن ستكون وقتها البوارج و السفن الأمريكية محاصرة في الخليج و هدفاً تتصيده الصواريخ الإيرانية و حتى الكاتيوشا عند المضيق.
و هنا و في حال تمكن إيران من تدمير بعض البوارج الأمريكية أو إحدى حاملات الطائرات فسيكون لذلك تأثير كبير على القرار الأمريكي بالبقاء أو الإنسحاب من المنطقة إضافة إلى الحراك الشعبي المحتمل و في الكونغرس و الذي سيكون معارضاً للحرب.
أما بالنسبة للقوة الجوية و الصاروخية الأمريكية فهي قادرة على الوصول إلى أي هدف داخل إيران و ضربه و تدميره و بلا شك.
و لكن الجغرافيا الواسعة و الحدود المتعددة و التضاريس المختلفة و الكثافة السكانية و التجارب السابقة في الحرب العراقية الإيرانية خصوصاً تعطي إيران ميزة التحمل لأي ضربات عسكرية أمريكية حتى و إن كانت نووية.
فالحكومة و الشعب الإيراني اعتادا على أجواء الحرب المباشرة و الحصار و التعامل معها و تحمل نتائجها بعكس الشعب الأمريكي.
يضاف إلى كل ذلك القضية الأهم بالنسبة للولايات المتحدة ألا و هي أمن و سلامة إسرائيل. ففي حال اندلاع مواجهة مباشرة لن تبقى إسرائيل خارج الحلبة و ستكون هي العنصر الأضعف و الذي سيحسب حسابه قبل اتخاذ أي قرار بالمواجهة بسبب افتقادها للعمق الجيواستراتيجي و صغر مساحتها و كثافتها السكانية العالية. فبمجرد نجاح أي صاروخ في تجاوز قبتها الحديدية و سقوطه على إحدى مدنها الكبرى سواءاً تل أبيب أو غيرها سيكون لذلك تأثير كبير جداً و مدمر لجهة الخسائر البشرية على الأرض و على احتمالية خروج المستوطنين منها و الفرار بهجرة معاكسة تلك الهجرة التي ظلت هي الرافد الأهم لنمو إسرائيل السكاني منذ إنشائها.
كما يجب أن نذكّر هنا بالدور الذي ستلعبه أذرع إيران في الخارج و منها حزب الله و الميليشيات في العراق بالوقوف معها و الدخول في المواجهة .
و عند الحديث عن الأسباب التي تضعف إحتمالات المواجهة بين أمريكا و إيران، و بالإضافة لما ذكرنا فإنه يجب عدم إهمال تاريخ المواجهات العديدة بين الولايات المتحدة و إيران و ما آلت إليه. فقد انتهت تلك المواجهات جميعها لصالح إيران و من ذلك ما حصل في العراق و سوريا و لبنان و قبل ذلك في مسألة احتجاز أعضاء السفارة الأمريكية في طهران و حادثة صحراء طبس. و هي ما سيحسب لها الحساب.
أما احتمالات المواجهة الخفيفة و اختبار الإرادات بين البلدين فهي موجودة و لكنها ضعيفة جداً كما أسلفنا..
و سيناريوهاتها قد تكون بتحرش إيراني للبوارج الأمريكية و رد أمريكي. أو بشن غارة جوية غير محسوبة على أهداف إيرانية تقوم بها إحدى الدول الحليفة للولايات المتحدة يعقبها رد إيراني.
أما حدوث مواجهة شاملة فهي مستبعدة و لا تتعدى نسبة احتمال وقوعها ال 5% .
و إذا ما حدثت مواجهة شاملة في المنطقة فإنها ستعيد دولها و شعوبها إلى القرن التاسع عشر و ما قبله.
و ستخرج امريكا من المنطقة خروجاً نهائياً لا رجعة فيه.

عبيد الشمري
22/مايو/2019