خطوات بسيطة لبناء علاقة صحية مع التقنيات الجديدة.

استر روماس / ترجمة من الفرنسية إلى العربية: غالية علي

-في الصيف الماضي، قررت التخلي عن الشبكات الاجتماعية لخمسة عشر يومًا، مع أنني لا أستخدم -السموم الرقمية- إلا قليلا باستهلاك يصل متوسطه إلى 0-15 دقيقة في اليوم. في الواقع، دفعني فضولي تدريجيًا إلى إدمان التواصل عبر الانترنت، كنت أشترك في عشرات النشرات الإخبارية، وأميل إلى دخول مواقع لينكدان و كيورا، بالإضافة إلى البحث عبر جوجل يوميًا، أدركت بهذا أن الإنترنت يشكل جزءًا مهمًا من حياتي، ورغم إدراكي تطور سلوكي الإدماني بسرعة.

علمتني تجربة إدمان الانترنت بأنه عليك إجبار نفسك على التراجع قبل سقوطك في دائرة الجحيم، كانت هذه الفكرة تسيطر علي. في هذه الفترة غمرت نفسي في قراءة كتاب Digital Minimalim، يحلل الكاتب كال نيوبورت تطوّر السلوك أمام التكنولوجيا الجديدة، ويدعو إلى اتخاذ خطوات لتطوير علاقة صحية أكثر مع التكنولوجيا.

قراءة الكتاب ساعدتني لكتابة بعض من أفكاري اتجاه الموضوع، وألهمتني لبدء تطبيق بعض الخطوات الروتينية.

في هذا المقال، أقدم لكم 5 خطوات بسيطة لإنشاء علاقة صحية مع التقنيات التكنولوجية الجديدة.

  • تقييم علاقتك مع التكنولوجيا.

حدد بدقة الوقت المخصص الذي تقضيه على الانترنت، نحن متاحون دائما على الانترنت، وهذا الإدمان له عواقب سلبية على صحتنا، تركيزنا وعلاقتنا مع العالم، فانتقاء طعامك الفكري الذي تأخذه من عالم الانترنت ضروري؛ ولهذا يجب تقليل الوقت. بطبيعتنا، نميل إلى الاستخفاف بالمدة التي نقضيها على الإنترنت، ولقد صُدمت عندما علمت أنني أقضي ساعتين في اليوم على الإنترنت عبر هاتفي الذكي!، في كل مرة أشعر بالممل يغريني هاتفي بأن ألقي نظرة عليه، لتجتمع هذا الدقائق مكوّنة فترة زمنية مهمة من حياتي. لتقدير هذه الدقائق المهدورة قمت بتفعيل  خاصية Screen Time المتاحة على نظام IOS، الخاصية مناسبة جدًا لحساب الوقت الذي تمضيه على هاتفك، ولكن للأسف لا تستطيع الوصول إلى سجل الاستخدام إلا لآخر 7 أيام فقط.

كن واعيًا لتأثير الانترنت على حياتك الحقيقية!، الاستخدام المفرط للشبكات الاجتماعية لا يحقق راحة الفرد، بل هناك صلة قوية بين مستوى القلق واستخدام الشبكات الاجتماعية.

أنا خضت هذه التجربة، عندما بدأت مدونتي قضيت الكثير من الوقت في تحليل ما يفعله المدونون الآخرون، كنت أميل إلى مقارنة نفسي بالآخرين، وأستنقص من قدراتي؛ لاعتقادي أن نتائجي سخيفة إلى جانب نجاحات الآخرين، لأكتشف في النهاية أن كلما أمضيت وقتًا في التحليل والتركيز على ما يفعله الآخرون كلما كنت أكثر قلقًا وكلما شككت في مدى استحقاقي للأشياء. يقول الكاتب كال نيوبورت: "كلما زاد الوقت الذي تقضيه على الإنترنت، كلما قل الوقت الذي تقضيه في عمل الأنشطة التي تحقق بها ذاتك في الحياة الواقعية"، ومن واقع تجربتي، أنا أتفق معه.

كن واعيًا إذا فقدت السيطرة!، هناك حكمة تقول:" إذا كانت هناك خدمة مجانية، فأنت المُنتج"، أدركت أن اهتمام الشركة هو جذب انتباهي واستخدام بياناتي الشخصية لأهداف تجاريةـ لقد تعلمت أيضًا أن أكون حذرة من مبالغات أحاديث مشاهير الإنترنت لترويج منتجاتهم، ومحاولاتهم في اقناعنا باستحالة الاستغناء عنها. أدرك الآن تمامًا أن كل شيء تم صنعه ليسبب الإدمان، الوعي ضروري جدا لتحقيق التوازن ما بين الاستهلاك والوقت.

2-خذ فترة استراحة بدون انترنت، أو قيّد وقت استخدامك إلى أدنى حد؛ وذلك للعودة إلى الوراء وكسر عاداتك.

الفكرة بالتأكيد ليست عقاب للذات من خلال فرض قيود غير واقعية، سينتج من هذا نتائج عكسية!، فالأمر لا يتعلق بالاضطرار إلى الانقطاع القسري لترك استهلاكه، بل الفكرة من هذه الاستراحة أو التقليل هو مراجعة حساباتك مع نفسك، وتحليل ما استفدته وما خسرته، وغالبا تكون الخسائر مخفية، كالوقت المهدور مثلًا.

ضرب كال نيوبورت موقع الفيس بوك كمثال، عندما يُسأل الناس عن سبب استخدامهم لهذا الموقع تكون اجاباتهم بأنه يسمح بـالبقاء على اطلاع بالأحداث، والحصول على أخبار المقربين. بشكل عام، هذه الأسباب تستغرق وقتًا أقل مما يستغرقه المستخدمين على الموقع، يقض بعضهم على مواقع التواصل الاجتماعي 7 أضعاف الوقت اللازم لتحقيق أهدافهم من المواقع، وهذا إهدار كبير للوقت!، إن إدراك هذه السلبيات يساعدنا على مراجعة استخدامنا للانترنت، والتقليل منه. من الطرق التي ذكرها كال نيوبورت لتحسين الاستخدام:

1-طريقة جذرية: حذف برامج التواصل الاجتماعي من الهاتف، ومن حياتك أيضا.

2-طريقة مرنة أكثر: تحديد نطاق الاستخدام بحسب الحاجة الملحة.

3-منع الوصول لمواقع معينة لفترات محددة، عبر استخدام برامج المنع.

فيما يخص تجربتي، فقد حذفت برنامج فيس بوك وانستقرام من هاتفي الذكي، مما أدى إلى انخفاض وقت استخدامي للهاتف، قمت أيضًا بترتيب الشاشة الرئيسية لهاتفي عبر جعلها خالية من البرامج في حال أردت النظر إلى الساعة فقط، بدون فتح البرامج التي أعدت ترتيبها عبر وضعها في ملفات لا يمكن فتحها إلا بعد 3 ضغطات متكررة. حددت القليل من الأشخاص الذين أقدر أعمالهم والأشخاص الذين يعملون في المجالات التي تهمني لأتابع نشراتهم الإخبارية. هذا النصائح ساعدتني في تقليل الاستخدام الضار وتغيير سلوكي وعاداتي.

3-زيادة لحظات الوحدة:

لحظات الوحدة هي اللحظات التي نكون فيها وحيدين مع أفكارنا، وضّح كال نيوبورت أهمية لحظات العزلة للابتكار، اتخاذ قرارات جيدة والحفاظ على الصحة العقلية. لحظات الوحدة هذه تصبح نادرة أكثر فأكثر مع مرور الوقت، فنحن ننظر إلى هواتفنا حين نشعر بالملل، وفي وسائل النقل، وهذا كله له عواقب على حالتنا الصحية: (القلق، الإجهاد المزمن..)، كما أنه يؤثر على مستوى إبداعنا، وعلى قدرتنا في اتخاذ القرارات الجيدة، وفي إدارة عواطفنا ومستوى إنتاجنا؛ لذلك زيادة لحظات الوحدة أمر مهم جدًا. ولهذا، لا تحتاج لتعزل نفسك في كوخ أسفل الغابة، أو تنقطع عن العالم، بل يمكنك ببساطة أن تفكر بأنشطة تعزز من حركة عقلك في الوحدة، فالكتابة، الرسم، المشي والتأمل تعد أنشطة مثالية.

شخصيًا، كنت أدون أفكاري في مفكرتي وأمشي بانتظام في كل ليلة، لأني أؤمن كإيمان نيتشه: "كل الأفكار العظيمة تولد أثناء المشي.".

4- إيجاد وقت فراغ لهواية نوعية.

الهواية النوعية هي التي تسمع بـ:

1-صنع شيء من لا شيء عن طريق الأصابع العشرة.

2-الانضمام إلى الرابطات أو الجمعيات الرياضية والثقافية.

يستشهد كال نيوبورت بمتوسطي الأعمار الذين نجحوا في تحقيق الاستقلال المادي عبر الأنشطة اليدوية، مثل: ترميم المباني، تربية الحيوانات وصيانة الأجهزة الإلكترونية. حين كنت بلا عمل، كانت أجمل ذكرياتي هو تجديد طاولة قديمة، هذه التجربة قللت من الضغوط التي كنت أواجهها، إن الهوايات تساعدنا على استغلال أوقات الفراغ بشكل يضيف لنا، وتحد من إهدار الوقت بشكل عشوائي. عندما يكون المرء منشغلا بالحياة، يكن من السهل الضياع بهوايات ذات قيمة منخفضة إن لم يكن يملك البديل الجيّد.

بوسط كل هذا القلق، قررت أن أحد من استهلاكي السلبي للإنترنت، مما سمح لي بتكريس المزيد من الوقت في الكتابة، والانضمام إلى نادي الفن والأدب المسرحي.

5- منح الأولوية للعلاقات الشخصية وحذف العلاقات السطحية.

ينصح المؤلف بالتوقف عن التفاعل مع الأصدقاء عبر وضع "الإعجاب" وكتابة التعليقات، والتركيز على علاقات شخصية ذات تفاعل حقيقي، عبر نشاطات مرضية أكثر،  يقصد النشاطات التي تضم مهارات اجتماعية تؤدي إلى حوارات منطوقة نتلمس فيها العواطف ولغة الجسد واللمس.

يُعد البريد الإلكتروني الطويل، الاجتماعات الميدانية والمحادثات الهاتفية ذات جودة تفاعلية أكبر من المحاولات البسيطة للتقرب مثل الإعجاب أو التعليق السطحي. من الأفضل كتابة رسائل طويلة بدلا من الحفاظ على علاقات سطحية مع مئات الأشخاص من خلال وضع إعجاب على منشوراتهم !، وفيما يخص العلاقات نذكر مبدأ دنبار، الذي يقوم على أن الدماغ البشري يقبل 150 شخصًا في الدائرة الشخصية، وهذا الرقم يتطلب الكثير من الجهد. شخصيًاـ أراها استراتيجية نافعة، وتتيح لنا تصنيف علاقاتنا، فالشبكات الاجتماعية على الإنترنت تعطينا وهمًا بأننا على ارتباط واسع بالعالم أجمع. التمعن في حالتنا مع الاستهلاك الرقمي الحالي يدل على أننا شيئا فشيئا نكون منعزلين أكثر، مع تعاسة أكبر.

وفي النهاية، أوصي جميع من يريد الحفاظ على علاقة صحية مع التقنيات الجديدة باتباع هذه الخطة:

-احسب الوقت الذي تقضيه من حياتك على الانترنت، وكن واعيًا لتأثيره على حياتك الحقيقية.

-خذ استراحة من الانترنت، أو قنن استخدامك إلى أدنى حد ممكن.

-حلل الفوائد/الخسائر لتحسين استخدامك وتقليل خسائره.

-طوّر من لحظات وحدتك لتكون أكثر إبداعًا وإنتاجية.

-تحكم بزمام وقتك، واستثمره في هوايات نوعية.

-امنح الأولوية للعلاقات الشخصية المحدودة، وتخلى عن العلاقات السطحية.