Image title

خطت الدولة خطوة رئيسية للأمام في قرارها بإنشاء برنامج المركز الوطني لادارة مشاريع. خطوة كهذه حتى وإن أتت متأخرة إلا أنها من أساسيات المنشآت اللتي ترمو للتطور والتقدم سواءا كانت حكومات أو شركات ربحية أو جمعيات خيرية. العارف بعلم الاستراتيجيات يدرك تماما أهمية إدارة المشاريع، إذ لن يستطيع تنفيذ الاستراتيجيات إلا عن طريق مشاريع تسلم في الأخير للعمل التشغيلي والإدارة التشغيلية. ليس فقط الادارة التشغيلية هي من قد يكون المستفيد النهائي، بل الادارات المالية والتسويقية والموارد البشرية وقطاع التوريد كذلك.


ما معنى الربط بين الاستراتيجيات مع العمل التشغيلي؟ سؤال ليس حصرا على المتخصصين فالمواطن أيضاً أصبح ذا علمٍ ودراية بما يخص مثل تلك العلوم. بشكل مبسط يقوم مجلس الادارة أو القيادة باتخاذ أهداف وتوجهات للمنشأة اللتي تقوم عليها وتقوم بتحقيقها عن طريق فرض بعض المشاريع اللتي تقود تلك الاستراتيجيات الى عالم الواقع و من ثم تشغيل المشروع واعتباره تحقيقا للهدف المنشود. على سبيل المثال، وضعت الدولة هدفاً في تنويع مصادر الدخل لها وتم تحديد الهدف وهو الاعتماد على تصدير المواد البتروكيماوية والمعادن اللتي تنعم بها هذه البلاد من غير البترول. هذه تعتبر استراتيجية، وتحتاج لتنفيذها إلى عدة مشاريع كَـ تأسيس وبناء شركات كبرى كَـ صدارة و معادن. وبعد الانتهاء من بناء المشروع يتم تسليمهما الى ادارة تشغيلية تقوم بعملية الانتاج وتحقيق الهدف المنشود من الاستراتيجية نفسها.    


إذا فهمنا الخطوة السابقة فسيتبين لنا أهمية البرنامج وأنه سد للفراغ بين الاستراتيجيات والتشغيل وأن مشاريع الدولة سابقا كانت تعتمد على الإدارات التشغيلية في تنفيذ هذه المشاريع. هذا الخلل سبب شرخ عظيم في مشاريع الدولة إلى درجة أن المواطن لم يعد يعرف من المخطئ في حال فشل المشروع وهل يوجد شبهة فساد أم لا. بينما في واقع الامر هو خلل إداري تنبهت له الدولة ومضت نحو إصلاحه.


نأتي الان إلى التحليل الفني المتوقع والمرجو من هذا المركز. المركز يجب أن يتحرك بالتوازي نحو عدة برامج في مهمته الصعبه. أولاً: برنامج تحليل فشل المشاريع الحالية وتصنيفها بحسب الحجم ونوعية المشروع. هذا الموضوع أشبع طرحا ونقدا أكاديمياً واحترافيا كذلك. على سبيل المثال، يوجد بعض العوامل اللتي ممكن أن تطبق على المشروع. تبدأ في تطبيق العوامل الرئيسية ثم الفرعية. أي خلل في العوامل الرئيسية ستكون كافية بفشل المشروع.


ثانياً: بناء الآليات والطرق في إدارة المشروع. ابتداء من التعامل مع الفكرة إلى تسليم المشروع. هذا البرنامج أعتقد أنه صلب ما يريد المركز تحقيقه. مع اعتبار أن المرحلة القادمة هي مرحلة تغيير وليست مرحلة عادية. الفرق بينهما أن مرحلة التغيير تتطلب قيادة للموارد البشرية ومرونة في التعامل مع الوضع الحالي سواء من الدوائر الحكومية نفسها أو من القيادة العليا. مثال عالمرحلة العادية كَـ حالة أرامكو السعودية، فهي مهيأة للتعامل مع أي مشروع من بدايته وحتى تطبيقه.


ثالثاً: إعداد موارد بشرية قادرة على قيادة المشاريع في المستقبل. الحل في هذه القضية لابد أن يكون استراتيجي وليس بشكل طارئ. من ضمن الاقتراحات هو تحالف إداري تعليمي مع الجامعات المحلية لتبني تخصص إدارة المشاريع والمواد المساندة لها كَـ إدارة البرامج و تنفيذ الاستراتيجيات. أيضا البرنامج أشار بأن من أعضاء المجلس سيكون مندوب من وزارة التعليم وهذا شيء إيجابي. لكن ليس من المطلوب تبني التخصص على مستوى البكالوريوس فقط. بل الأفضل طرحه على درجات متقدمة أو على شكل دورات مسائية قد يستفيد منها من هم على رأس العمل في الوقت الحالي.


ننتقل الآن إلى قضية النقد في بعض ما نشر عن ذلك المركز. النقد بطبيعة الحال قد يكون باظهار الخلل وتحليله أو بإظهار مواطن القوة وتبيانها وفوائدها. أولا: فكرة مكاتب إدارة المشاريع داخل كل منشأة حكومية هي فكرة جدا ممتازة وتعتبر أساساً لقيام هذا البرنامج. ثانيا: التركيز على معيار واحد فقط في المرحلة الحالية مثل PMI. هذا سيساعد كثيرا في التقليل من التشتت في علم إدارة المشاريع. ثالثا: لابد من إعطاء الصلاحيات الكافية لمدراء المشاريع لإدارتها وأيضا محاسبتهم عليها كذلك. إذا اختلت هذه المعادلة سيصبح المشروع في خطر بلا شك. رابعا: لاحظت من طرح المذكرة التوضيحية لهذا المركز كما نشر في الصحف أن البرنامج يميل إلى تصدير هذه المهمه out source إلى شركات خارجية لها خبرة في إدارة المشاريع. المطلع على علم إدارة المشاريع و المعتاد على مراجعة المشاريع ـ خاصةً الاستراتيجية منها ـ يدرك تماما أن هذا خطأ استراتيجي لو حدث. فالمنشآت قد تعتمد على الشركات الخارجية في الأشياء التقنية وتنفيذ المشروع وليس على إدارته. وهنا مربط الفرس الذي بسببه أنشئ هذا البرنامج. خامسا: قد تكون البداية بالاستفادة من الكوادر المتواجدة في أرامكو السعودية والهيئة الملكية. الموارد البشرية الداعمة قد تكون عن طريق الشركات المتخصصة في إدارة المشاريع ولكن بشريطة أن تكون القيادة بأيدي موظفي المركز. طبعا هذا الوضع سيكون مؤقت إلى أن تتم تنفيذ استراتيجيات تدريب الكفاءات كما ذكرنا سابقا. فكرة المجلس التنظيمي يجب أن يتعدى من كونه تنظيمي إلى داعم لمدراء المشاريع في تقوية مواقفهم بعد استيعاب المواقف ذاتها. هذه في علم إدارة المشاريع من أفضل الاستخدامات أو ما يمسى champions. سادساً وأخيراً: ذُكرَ في المذكرة أن المجلس الإداري هو من سيراجع حسابات المشروع ويطرحها على المجلس الاقتصادي. المجلس سيكون البوابة للموافقة على المشاريع. بسبب هذا البند سيواجه البرنامج مقاومة قوية من قبل الادارات الحكومية الاخرى فتلك هي مرحلة التغيير والمتوقعة. أتمنى تجنب المصادمة أو تخوين جهات معينة بسبب عدم تعاونها والتعامل مع الموقف بشكل قيادي وهو إيضاح الجوانب الإيجابية اللتي قد تستفيد منها تلك المنشأة وأيضا يجب تأسيس مكاتب إدارة المشاريع وتثقيف المدراء المعنيين بهذا التوجه الجديد. إدارة التغيير علم كامل ومتشعب وتبيانه في ذيل المقالة ليس عدلاً. لكن قد نتحدث عنه في قابل الأيام. قد أفرد مقالة كاملة عن مخاطر ضم آلية التخطيط مع إدارة المشاريع في نفس المركز وأنه قد يكون هناك تعارض للمصالح بين الجهتين، جهة تخطيط وجهة تنفيذ.  

المقال أعلاه قد يعتبر موازيا مع بعض التعديلات لما ذكره الاستاذ سليمان العريني في مقالته في صحيفة الاقتصادية العدد 5915 من عام 2009 وكان مقال جدير بالقراءة بغض النظر الحلول المطروحة في المقال. 

هنا رابط خبر المركز.


كتبه صالح حمد الحميّد، PMP , Master of Project Management