من الشخصيات التي لا تنسي من ذاكرة التاريخ وصفحاته الناصعة البياض والتي ستبقي أمد الدهر ولم ولن تمر مرور الكرام ، فنضال الفنان والكاتب والرسام الكاركاتيري الكبير ناجي العلي وإنتاجه الثري ما زال قائما حتي اليوم يتحدث عن نفسه ، موته كان لغز حير الجميع وكثرت الجهات المسؤولة عن قتله وإغتياله ب لندن ولكن يأتي في المقدمة وبصورة مباشرة عن طريق الموساد الإسرائيلي وذهب البعض لإتهام أحد أعضاء منظمة التحرير الفلسطنية لإنتقاده بعض رموزها وقياداتها ، فقد توهموا هؤلاء الآثمين أيهم فعلها أنهم بقتل الجسد سوف تخمد الإنتفاضة وتمحي رموزها وتموت القضية ولكن هيهات فأعماله الغزيرة والتي تزيد عن أربعون ألفا من الرسوم الكاركاتيرية مازالت الروح تنبض منها وشعاع الأمل يرفرف بداخلها علي أجنحة من الأفكار تفتح عثرات الطريق للأجيال القادمة ، ذاق الأمرين وسجن وعذب وترحل بين العواصم والبلاد ، أفضل من عبر عن القضية الفلسطينية وزادها توهجا وأبي أن تدفن أوراقها وتراثها وحضارتها تحت الرمال وظل يقاوم حتي لفظ أنفاسه الأخيرة ، رفض السجان وكره قبضته الغاشمة علي أرض ليست ملكه ، كتاباته ولوحاته الكاريكاتيرية كانت تزلزل الكيان الصهيوني وعصاباته وشركائه ، طرد الخوف من قلبه ، دافع عن الكلمة والهوية العربية والإسلامية والمقدسات ونشر الوعي والتنوير والإدراك بالمؤامرات التي تحاك في الخفاء ، ءامن بالمرأة شريكا فعالا في مواصلة الكفاح من خلالة شخصية فاطمة المرأة القوية الشديدة علي الحق والتي لا تقبل الهزيمة مهما جارت الدنيا حتي وإن لم تجد قوت يوم يكفيها ويكفي أبنائها وهذا ماظهر في العديد من الرسوم عندما قال لها زوجها الذي أثقله الحمل ومشاق الحياة والنضال سأذهب أبيع نفسي لأي نظام لكي آتي بالطعام لأولادنا فقالت له في غضب الله لا يسامحك علي هذه العملة ، أعطي الأمل لكثيرين أنه بالقلم وصدق الكلمة وريشة الفنان وعبقرية الصورة أن تهد جبال الصمت ، وتؤرق مضاجع الخائنين ، أنشأ مدرسة مكتملة الأركان في زمن كانت آثار الهزيمة تكسر الهامات والعار يلتصق بالأبدان ، وعصير المرارة مذاقه علقم في الحلقان ، صحي الضمير العربي من أجازاته الطويلة ، وإبتكر شخصية حنظلة ذلك الطفل ذو العشرة أعوام والذي توقف الزمن معه عن هذا العمر ووجهه المخفي والمتكتفة يداه خلف ظهره ورأسه محني لأسفل لا حوة ولا قوة عندما رأي المنطقة بأسرها تتهادي نحو التطبيع والتطويع وإقامة العلاقات مع العدو فكانت هذه الشخصية الكاركتيرية تعبر عن الذل والضعف الذي أصاب الأمة ورعاتها وعدم رفع الهامة والخضوع للعدو وتلبية ما يريد بدون إستكمال النصر الكامل ، فجعلها ناجي العلي رمزا للصمود وجعلها أيضا التوقيع الخاص به علي كل رسم من أعماله ، هذه الشخصية أحبتها الشعوب العربية من المحيط للخليج وتعلقوا بها ، وتمني أن يروا متي يظهر وجهه وينفك القيد من علي يديه ، وسئل ناجي العلي كثيرا عن ذلك فأجاب عندما تعود الأمة كما كانت وتخلع لباس الخوف وتدنو نحو التقدم والنهضة وتدافع عن عزتها وكرامتها وعدم التفريط في شبر واحد من التراب الوطني ، هكذا تكون العقول لا عقول اليوم المغيبة ، هكذا يكون الرجال لا القاعدين مع الخوالف الآن ، هكذا يكون الإعلام الصادق لا الذي يهوي ليلا نهار في تثبت الباطل والنفاق والرئاء الفج مع المصلحة الدنيا وحب الأموال والخوف علي الأبناء وبناء المستقبل الحرام والتهديد بالوعيد بالحرمان والسكن وراء القضبان ، كالحمير يحملون الأسفار ، طرحت أفكاره ثمار النجاح أينما حل ، بدلا من أن ندرس القدوة والمثل الأعلي والحكمة ورعاة العلم في مدارسنا وجامعاتنا ، أصبح هو وغيره من الأفذاذ منبوذين وغير معترف بهم وينعتوا بالخائنين آلا ساء ما يفعلون ، في سبيل من ! لماذا تكتم الأفواة ! كيف يعيش الناس تحت نار البندقية ويتنفسوا دخان القنابل والصواريخ ، وتصدر الخزعبلات والبطولات الفارغة وننسي قادة الفكر الحقيقين والملهمين الشرفاء ، أهو إرضاء لعدو سافر جبان أم ماذا !!! أجيالنا الجديدة تتربي علي الأسطورة البلطجي والحرامي وتاجر المخدرات مع العري في الإمكان ، فبعد أن كانت السينما مرآة المجتمع وتقدم رسالة هادفة للتغيير أصبحت فاشية تمجد في الأشخاص وتأمر فتنفذ بما يستطاع ، لا إبداع ولا باذنجان ولا بطيخ ولا طماطم ، أهكذا تنهض الأمم أم تغوص في الأوهام وترتدي عباءة الجهل والتخلف والإنحطاط الأخلاقي قبل النوم ، ولنتذكر بعضا من رحيق ناجي سليم حسين العلي ، فقد ولد عام 1937 في بلدة الشجرة بفلسطين الأبية مابين طبريا والناصرية وبعد حرب 1948 وإحتلال إسرائيل لفلسطين هاجر مع أهله إلي لبنان وأقام في مخيم اللاجئين يسمي عين الحلوة ، وعمره كان يقارب العاشرة ، وإعتقلته قوات الإحتلال وهو صبي نظرا لمعاداته الصارخة لهم وكان يرسم لوحاته علي جدارن محبسه ، وسجنه أيضا الجيش اللبناني العديد من المرات ، ثم هاجر إلي طرابلس وحصل علي شهادته الجامعية في ميكانيكا السيارات ، ثم أكمل الترحال إلي الكويت 1963 ومكث بها فترة ليست بالقصيرة وعمل في جريدة الطليعة الكويتية والسياسة الكويتيةوالسفير اللبنانية والقبس الكويتية والقبس الدولية ، ثم تعرض للحصار ولم يعد يستطيع التعبير بحرية عما يجول بخاطره ، فشد الرحال مرة ثالثة إلي لندن ، والتي شهدت مقتله ورحيله عن دنيانا يوم 29 أغسطس سنة 1987 بعد ترك لنا ارثا خالدا وأعمال لازلت عالقة في الأذهان ووجدت محبتها في قلوب وعقول الشعوب العربية من المحيط للخليج رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته واللهم اجعل ما قدمه من تضحيات واستشهداه نظير الدفاع عن الأمة بأسرها والدفاع عن مقدساتها في ميزان حسناته ، ومن ضمن الأعمال التي خلدت شخصيته ومراحل حياته كان ما قدمه الفنان المثقف نور الشريف رحمه الله في فيلمه ناجي العلي والذي تسابق لإنتاجه بنفسه ، وحورب من أجله حربا شعواء وتعرض للعقاب نظير ما قام به وجعله يبكي ومنع عرض فيلمه بسبب ما تصورته بعض الحكومات نقدا لهم ، والفنان سمير صبري هو الوحيد الذي بقي علي علاقة مع نور الشريف في محنته ولم يتخلي عنه فتحية واجبة لفنانين محترمين ذوي النظرات الثاقبة نور الشريف وسمير صبري والذين حاولوا إعطاء ورد الجميل لفنان مثل ناجي العلي لطالما كان نبراسا للحق والعدل ومناديا بالحرية وتقدم الأمة والزود عن مقدراتها ، أمتنا العربية والإسلامية ولادة في جميع المجالات ولن تنضب أبدا من المفكرين والكتاب والشعراء والعلماء ، فالخير في أمتنا إلي يوم الدنيا كما حدثنا رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم ، وليس معني حالنا الأسود وانشقاقنا وتفرقنا الحالي أننا قد ضيعنا ولن تقوم لنا قائمة ، بلي هي مقدمة لظهور الفجر والبشري بالخير والأمل والتفاءل وقتل ظلمات الشر وأذنابه والقضاء علي الفساد أينما وجد ان شاء الله ، لا يستطيع القلم أن يتوقف عن الكتابة وسامحوني إن أطلت في المقال فهذا الناجي العلي يستحق صفحات وراء صفحات بل مجلدات وراء مجلدات ، فالعقل والقلب من قبله متأثر بهذة الشخصية العظيمة ويكفيني فخرا لو أني كتبت سطرا واحدا عنه أفضل من مئات ما كتبت سالفا وسوف أكتب ، ويستهويني أن أكون ولو حرف من أفكاره أو توصيل رسالة من غاياته أو رأي راجح ينفع المؤمنين ، وأفوض أمري إلي الله سبحانه وتعالي هو أعلم بما في الصدور ....................