يخبرني ابن أخي ذو الخمس سنوات أن أمريكا عدوٌ أكبر، مستنكراً وجود العلم الأمريكي على المنتجات والعلامات التجاريّة، وبين الذهول والفخر بثقافة الفتى الصغير ووعيه، أقف في حيرة وصمت مطبق أمام ما أرى من أبناء جيلي الأسبق منه بعقدين من الزمن، جموع سيقت نحو هلاكها، وحالةُ اللُّهاث وراء الإستهلاكية الملغية للفكر والمبدأ، بل وتركض وراء ثقافة هجينة يلفظها المجتمع المسلم، نموذج الكائن الغربي الذي صدرته لنا الحداثة الغربية عبر عقود من الزمن وبطرق ممنهجة ومدروسة، مفرغةً تماماً من القيمة والمعنى، وجاعلةً قيمة الإنسان تُختَزل في العلامة التجارية التي يرتديها وبكوب القهوة التي يشربها، هذا الكائن الذي كرمه الله أيمّا تكريم! وسخر له ما في البر والبحر، تفرغه الحداثة المادية لتختزله في مستهكات مادية ونمط حياة استعبادي مقيت.
في الوقت الذي يعرّي لنا الطوفان هذه المفاهيم، و يضعنا أمام الحقيقة التي لطالما تجاهلناها، أننا أجيال استعبدت جيل بعد جيل، وسيقت كما يُساق القطيع، وجعلت التفاهة لها ديناً، والمظهر لها معبوداً، نقف أمام الحقيقة الخالصة التي لا تقبل التجميل ولا التأويل، حقيقة الموت الذي يرانا بها العالم الغربي، ونرى في ازدواجية معاييره أن الموت الغربي أكثر قيمة من الموت الفلسطيني، وأنك يا ابن آدم طالما اخترت هذه البقعة الشريفة لترابط فيها، فإن الأصل بحقك هو الفناء، أما بالله ألا يستحق كل ذلك منا وقفة حقيقية مع مجريات الحياة؟
رغم كل هذا الدمار والشهوانية للقتل بلا حدود وسفك الدماء بلا حسيبٍ ولا رقيب، فإن الكيّس الفطن هو من أدرك أنها في المقام الأول معركة وعي، وأن وعينا هو من سيشكل الحالة القادمة إن عاصرناها، أو سيربي الجيل الذي سيشكل المستقبل، ويرفع الراية، وينهض بالأمة، لذا كان حقاً على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تكون في المقدمة، لا مجرورة وراء الدنيا وتنافسها، ولنا في قول المصطفى خير هدي في هذا التيه
" لَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فتُهلككم كَمَا أَهلكتهم"