إنها الدنيا يا رفاق، تنقلب عليك وقتما تشاء، وتسعدك عندما يحين الوقت. تأهب للذي لا بدّ منه، فإنّ الموت ميقات العباد. اليوم نسير على ظهرها، وغدا ندفن في بطنها، عظام هشة هكذا نحن غدا. أن الموت رفيق لك في الدنيا أمس، اليوم، غدا حتما ستأتي قيامتك، يوم لا فرار فيه من العادل. (أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً  فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) لا توجد كلمات توصف الحدث، أو تطيح ما في الصدر من هموم. محمد محمد عبد الوهاب، لاعب الأهلي، والمنتخب الوطني ذو ال٢٣ عاما رحل عن عالمنا في عز شبابه يوم ٣١ أغسطس ٢٠٠٦، محمد كان يمتلك النقاء النقاء في كل شيء. مختار التتش حيث البهجة، والسعادة تملأ الملعب بعد انتصارات الفريق، وصباح يوحي بيوم سعيد للجميع، وفي لمحة بصر تسلبك الدنيا كل هذا، وأثناء تدريب الفريق سقط محمد، أمير عبد الحميد يناديه ضاحكا أن يقوم سريعا لكنه لا يجيب. الرجل الذي ظل صامدا في الدنيا سقط في ثواني معدودة، أنه الموت لا يطرق بابا. أسرع الطبيب، والجميع إليه. منذ رأيته عرفت أنه يحتضر، عاطفتي كانت تأبى التصديق لكن عقلي كان يقول لي هذا رجل يلفظ آخر أنفاسه. هكذا كان حال الطبيب إيهاب علي، الجميع ترك عمله، وهرولوا إلى المستشفى حيث يوجد محمد، ولكن النبأ المفجع جاء سريعا-ما المال، والأهلون إلّا ودائع، ولا بدّ أن تردّ الودائع- من داخل الغرفة: محمد مات، محمد مات. ما بين مكذب وغير فاهم، كيف لصديقي الصالح أن يرحل؟. الأجواء التي كانت سعيدة انقلبت، وانقلبت مصر كلها بألوانها المختلفة في حالة حداد. حين تكتشف: أن الزمان ليس زمانك، وأن المكان ليس مكانك، والإحساس ليس إحساسك، وأن الاشياء حولك لم تعد تشبهك، وأن مدن أحلامك ما عادت تتسع لك، عندها لا تتردد، وأرحل بلا صوت. هكذا رحل محمد محمد عبد الوهاب في هدوء تام. وعدت الأهلي أن استمر معه. ولن أخلف وعدي مهما كان الإغراء المادي. سأنهي كل شيء مع الظفرة وأستمر بالقميص الأحمر. مجنون من يفتري على نعمة الأهلي. الكلمات الأخيرة للراحل عن النادي الأهلي، علاقة محمد بالأهلي لم تكن مجرد علاقة لاعب بنادي بينهما عقد؛ بل كانت أكثر من ذلك علاقة تسودها الحب، والإنتماء. الرجل التي كان يموت عشقا في الأهلي، شاء القدر أن يموت فيه بين جدران النادي. صال، وجال في المستطيل الأخضر... وعليه، سلمت روحه الطاهرة إلى بارئها، شهيدا في عمله. رغم مشواره القصير في الملاعب نجح في الحصول على ١٠ بطولات: ٧ مع الأهلي، و٣ مع المنتخبات. عبد الوهاب برز بشدة كلاعب يساري بحت، يتميز بتسديدات قوية وكرات عرضية متقنة، وهو ما كانت الكرة المصرية تفتقده في الأعوام الماضية، حتى أن حسن شحاتة المدير الفني لمنتخب الشباب دأب على إشراك اللاعب الراحل في مركز لاعب الوسط الأيسر في بداية انضمامه لمنتخب الشباب، وتألق عبد الوهاب في هذا المركز خلال كأس الأمم الأفريقية التي توجت مصر بلقبها.

ولم يكتف عبد الوهاب بالتألق فقط، فأحرز هدفا حاسما في شباك أصحاب الأرض في مباراة الدور قبل النهائي من ركلة حرة مباشرة أصبحت بعدها "ماركة مسجلة" باسم النجم الراحل حرص على التسجيل منها باستمرار.

بالرغم من رحيل تلك السنة، تبقى بعقولنا، وقلوبنا لن ترحل. محمد كأن القدر أخبره أن لحظاته الأخيرة في الدنيا اقتربت، ترك محمد رسالة لزملائه في الفريق قبل وفاته بأيام قليلة:<<لا تبكي نفس على شيء قد ذهب، ونفسي التي تملك كل شيء ذاهبة>>. لم أشعر في حياتي كلها بالصدمة لفراق إنسان كما شعرت بها في هذا اليوم، طيلة وجودي في مصر بعد ذلك كانت غرفتي يزينها إطار به صورة ضخمة لمحمد عبد الوهاب، وحتى اليوم هذا الإطار موجود في بيتي. لقد فقدت جزء مني في هذا اليوم. فقدت شيئا لن أعوضه أبدا. لا أعرف لماذا انتابني هذا الإحساس لكنه ما زال يراودني كلما نظرت إلى صورته. مانويل جوزيه عن عبد الوهاب. محمد أبو تريكة الذي ظل يبكي في أحدى المباريات عندما رأى صورته في المدرجات، وحين سجل هدف وضع شارته السوداء فوق رأسه تعبيرا عن حزنه. كما حذر اللاعبين حينها من ارتداء رقم ٣ وأن يبقى رقم عبد الوهاب الخاص، وأن يكون أخر من خلع الرداء. وفي ذكرى الراحل اليوم لن ينسي صديقه الصالح محمد أبو تريكة أن يخلد ذكراه، بكلمات:<<‏ليست الصداقة البقاء مع الصديق وقتاً أطول؛ بل هي أن تبقى على العهـد حتّى، وإن طالت المسافات أو قصرت. غفر الله لك يا صديقي محمد عبد الوهاب واسكنك فسيح جناته يارب العالمين>>. ‏ دائما ما نسعى أن نمتلك أفضل الأشياء في الدنيا، وماذا عن الأخرة؟. هل مرة تذكرنا أن نمتلك صديق صالح يشفع لنا يوم العرض. (فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا) صدق الله العظيم. كان القدر يخبئ الكثير كان ضيفًا عابرًا، حضر في سلام، ورحل ولا تزال روحه في كل الأرجاء، اقتطع من وقته بعض الشيء ليسحر الأعين، لكنه لم يخبرنا أنه سيرحل سريعًا، ١٣ سنة على الرحيل، لن ننساك.