ما أكثر الأسماء اللامعة في عالم الأدب التي اختارت النهاية المأساوية قديماً وحديثاً بين انتحارٍ وعدمية وعبثية،ومهما اختلفت الأسباب النفسية والزمنية بين كاتب و آخر ومهما كانت الظروف الحياتية الصعبة والقاهرة التي مرّوا بها ، فإن الهلاك والزوال هو المشهد المؤسف الذي جمعهم.

لكننا اليوم نعيش انتحاراً من نوعٍ آخر في هذا العصر ألا و هو الانتحار الإبداعي التام،حيث أصرّ البعض على مخالفة آراء المحيطين بهم ولم يأبهوا بملاحظات النقّاد وانجرفوا نحو هاوية الضياع الفكري رغم ما يمتلكونه من مواهب وقدرات عالية،ليكون مصيرهم التلاشي والاختفاء تماماً عن المشهد بيدهم لا بيد غيرهم.

هناك نماذج متعددّة عايشناها وعاصرناها وسمعنا عنها قرّرت أن تنهي حياتها الأدبية في عنادٍ ومكابرة رافضةً نداء العقل وضرورة مراجعة النفس وانساقت وراء أوهام وطموحات غير منطقية أودّت بها إلى الفناء رغم أنها مواهب فذّة تمتلك رؤيةً وبصيرة وقدرة على ملامسة ما يريده المتلقّي إلا أن هناك عوامل واضحة ساعدت على اختلال مسيرة بعض المبدعين، فمنها محاولة تقليد نموذجٍ عالمي شهير كانت له ظروفه وأسبابه التي قادته إلى التفرّد متناسين أن لكل كاتب رؤية وظروف وأن مقياس الإبداع يختلف بين طرحٍ وآخر،ومن أهم الأسباب الواضحة كذلك هو انصراف المبدع عن أدوات قوّته ووقوعه في فخ التجريب والمحاكاة والمنافسة مع ألوان أدبية بعيدة عن ميوله وإمكانياته ومواهبه،والنموذج الأخير هو المبدع الذي أغرق سفينته في محيطات الجدلية العقيمة والوجاهة والمكاسب الحياتية على حساب إبداعه وصولاً إلى الإفلاس التام وعدم قدرته على العودة إلى شطئان الأمل مجدداً بعد أن عصفت به زوابع القلق والحيرة والشتات ليتحوّل إلى ركام.

"لا أحيَا إلاّ لأنّ في وسعي الموت متى شئت. لولا فكرة الانتحار لقتلتُ نفسي منذ البداية"

إميل سيوران

فنان,كاتب,فيلسوف روماني (1911 - 1995)