ما يدخل تحت بند المال العام ليس فقط مال البلد السائل ، فالمعني أشمل وأوسع من ذلك بكثير فهو يضم كافة الموارد المتاحة والأصول والممتلكات والعقارات وأموال الضرائب والمياه والحدود والأراضي حتي الصحاري ، فبعد أن أكرمنا الله سبحانه وتعالي بالإسلام وفضلنا به عن سائر الأمم ، شرع لنا القوانين المحافظة علي الأموال وكانت تسمي بيت مال المسلمين أو بيت أموال الزكاة والصدقة والوقف ، وبينت لنا سنة النبي الكريم محمد صل الله عليه وسلم الطرق الشرعية لصرفها وكيفية إنفاقها وتحصليها والعاملين عليها والعدل في التوزيع كما جاء في محكم التنزيل القرآن العظيم ، وسار علي نفس النهج الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين من السلف الصالح وولاة أمور المسلمين ، أما في عصرنا هذا فقليلون جدا ممن يحافظون علي المال العام ولا يستبيحوا حرمته ، الذي هو في الأساس طوق النجاة للشعوب ، وسبب نهضتها وتقدمها ووضع الخطط وتدويره في مصارفه الشرعية ، ومزود الخدمة للأناس العاديون الذي يحلمون في عيش كريم ووظيفة لائقة وكرامة تصان وعدالة إنسانية ووسيلة نقل آدمية وهواء نظيف وسكن يحترم روح الإنسان ومياة صالحة للشرب وطعام خالي من المسرطنات ، والمحافظة علي الحقوق ومن ثم إعطاء الواجبات ، أما إذا كانوا خزنة هذه الأموال والموارد والأصول من اللصوص ويوزعوا الأرباح فيما بينهم بالتساوي ، فهم يطبقوا العدل في السرقة فقط ، يبدأ الفساد ويتوغل من الراعي فقد يكون نفسه اللص الكبير وهو ما يسمح لهؤلاء الزمم المزيفة بالفساد بأكل أموال الرعية بالباطل ، إنها دائرة مغلقة عليهم فقط محرمة علي الشرفاء ، لا يدخلها إلا من يضاحيهم في الصفات والوهم الشديد ، رؤوس الفساد معروفة للجميع بالإسم وأماكنهم محفوظة وأرقامهم وحسباتهم مكشوفة وأفعالهم مفضوحة ، فلا يخيل لنا أنه بإمساك بعض المرتشين هنا وهناك هكذا تحارب الفساد ، النار عندما تريد أن تطفئها بعدما زاد إشتعالها لابد أن تبدأ من القاعدة ولكن العكس تماما عندما تريد أن تقطع دابر سارقي المال العام بعليك أن تبدأ من رأس المثلث ومن ثم يرتجف اللصوص الصغار في القاعدة وعلي أضلاعه وداخل محيط الضلال ، ويمكن إصطيادهم الواحد تلو الآخر بكل سهولة بعد أن زال الغطاء الذي يقدم لهم الحماية ، جزء آخر من السرقة هو التخريب العمد لمرافق الدولة العامة ، فقد يكون الموظف أو المسؤول عن مصلحة أو مؤسسة أو شركة تتبع الدولة يتلقون الرشاوي والبعض الآخر يبدد الممتلكات ويؤخر المعاملات ويتمسك بالروتيين القاتل ، ويتباهون بأنهم يطبقون القانون رغم أنهم بعيدون جدا عنه ، والمثل الشعبي الذين يلتصقون به "يا عم أنا مالي هو مال أبويا" ، لا أمانة ولا أخلاق ، المواطنيين لا حول ولا قوة لا يملكون الحساب ولا الأسلحة ولا القوة التي تجبر هؤلاء المفسدون فمثلهم كرأس الثعبان إذا قضيت عليها بوضعها تحت الأقدام يسهل بعد ذلك التخلص من سمه وسلخ كل ما كان يتعلق بجسده ، بعضا من دول العالم كاليابان وكوريا وماليزيا وسنغافورة بدأت من حيث بدأنا نحن وتقدموا علينا وتركونا نعاني الفقر والجهل والتخلف وحدنا ، وأصبحوا هم من صفوة الأمم ويرجع السبب الأول في ذلك لمحاربتهم الفساد وقطع أيد السارقون للمال العام وتعظيمه في خدمة العلم والعلماء والإهتمام بالقاعدة التعليمية والصحية والتي تبدأ بتربية النشأ في بيئة سليمة من حيث المدارس والجامعات والبحث العلمي والإهتمام بمنظمومة الصحة والإرتقاء بخدماتها ومرافقها ، وعلمونا هؤلاء أنه لو وجدت النية الخالصة في محاربة الفساد لن يأخذ وقتا طويلا ، فقد يحتاج فقط نصف ساعة من العمل الجاد للقضاء عليه ، الإصلاح والمحافظة علي المال العام الكل مشترك فيها من مواطنيين ومسؤولين وجميع المؤسسات فهو واجب علينا جميعا ولكن تتفاوت الدرجات ، سن القوانين التي تجرم سرقة المال العام وإهداره سواء بالحبس والإبعاد والتعويضات ، رخاءنا في المحافظة علي مالنا ووضعه في مكانه الصحيح ، فإختلاس المال العام ليس فقط في إغتصابه وسرقته وإنما أيضا عندما يوضع في مواقع ومشروعات لا عائد منها ، أو المشاركة في حروب بالوكالة أو مساندة أنظمة آخري فاسدة ، ولا جدوي إقتصادية منها ولا نتائج محققه الآن أو حتي في المستقبل ، ولا يشعر الفرد العادي بلا أي تحسن ، المشاريع العملاقة الجادة تؤتي ثمارها في أسرع وقت ، أما دون ذلك من تخليد الأسماء ورفاهية مارقة ومظاهر أفاقة ورفع الروح كذب وإفتراء ونعوذ بالله تعالي من أصحابها ، إننا لا نكره العمل وتوفير الكثير للأجيال القادمة ولكن لا بد من التوازي مع الجيل الحالي أم كتب عليه الموت لا يري ولا يسمع ولا ينال شيء من التنمية ، يا من تتمسكون بالكراسي فكلها فانية ، يا من تكذبون وتنافقون مثواكم النار وبئس المصير ، الطبقات الفقيرة دفنت علي سطح الحياة ألا رفقا بأوجاعهم وآلامهم وصراخهم ، أموال البسطاء تسرق علنا في عز النهار بأثمان بخسة ، أراضي الشعوب توزع وتباع بلا مقابل فقط بالأمر المباشر والتخصيص ، أوقاف المسلمين مستباحة بلا ضمير ، قري سياحية بنيت علي أراضي الدولة وجني أصحابها المليارات ومحرمة علي أصحابها الحقيقيون ، شواطيء نهبت من كبار رجال الأعمال بمشاركة سياسية كاملة ، فنانون حازوا الملايين وحولوا الصحاري عند الطلب لإستصلاحها وزراعتها بمختلف المحاصيل للمساعدة في خفض الأسعار وتوزيعها بأسعار مناسبة علي صغار المواطنين إلا أنها بيعت بالمليارات لشركات الإستثمار لمص دماء المواطنين ، والبعض الآخر غير النشاط من زراعة إلي منتجعات وعقارات ، وكل ذلك والشعب ساكت ينظر ولا يتكلم ، يعاني ولا يتحرك ، يئن ولا يشتكي ، متي يفوق الشعب من الغيبوبة دعونا ننتظر ، ومهما طال الليل وزادت ظلمته كلما جاء الفجر والنهار بالأمل والتفاءل إن شاء الله ................