يوم غدير خم ... يوم بيعة الرجل المناسب في المكان المناسب
و نحن نستذكر التاريخ و نقلب صفحاته المشرقة الزاخرة بالأحداث التي لا حصر لها، ففي مثل هذا اليوم الموافق الثامن من ذي الحجة وفي كل سنة تمر بنا حادثة عظيمة تحمل معها الكثير من المعطيات التي ترتبط بحياة المسلمين، كونها شديدة الأثر و تملك كل معاني الإنسانية السامية في ربوعها الرحبة، ولعل الكثير من البشر قد يتساءلون لماذا نرى تباشير الأفراح ترتسم على وجوه الملايين منهم في هذا اليوم الأغر ؟ فتأتي الإجابة لان في مثل هذا اليوم وقعت جملة من الوقائع المهمة في طريق البشرية جمعاء، لعل أولها نزول الأمر الإلهي بإكمال الدين وعلى أحسن وجه، أما ثانيها وقوف النبي محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) مع الجموع الغفيرة في وسط الصحراء القاحلة، فالنبي مع هذه الجموع تقف تحت لهيب أشعة الشمس المُحرقة وهذا ليس بالهين عليه، فيا تُرى وقفوهم هذا هل لحكمة أم لمجرد أخذ سقط من الراحة و انتهى الأمر ؟ يقيناً أن النبي لا ينطق عن الهوى وكما أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة الثابتة و بقوله ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى ) وهنا تنكشف لنا حقيقة هذا الوقوف فكل ما قاله و فعله النبي خلال مجريات هذه الحادثة إنما هو أمر إلهي بحت و يحمل معه طابع الطاعة و التسليم لكل ما قاله الرسول حتى أنه - أي الأمر الإلهي - جعل تضحيات و خدمات النبي في كفة، و في المقابل وضع امتثال النبي لأمرها في كفة أُخرى، أي أن كل تلك الخدمات و التضحيات للنبي و على طِوال سني حياته الشريفة وقفت أمام مفترق طُرق فإما الفوز برضا الله تعالى فيبلغ ما أُنزل إليه من أمر ربه القدير البالغ الأهمية و الذي يقف عليه مستقبل المجتمعات الإنسانية و إما خسران الدنيا و الآخرة بعدم التبليغ و إخفاء حقيقة هذا الأمر العظيم فقام رسولنا الكريم بوظيفته الرسالية و على أفضل وجه حينما أخذ بيد علي ابن أبي طالب في تلك الجموع المُحتشدة بغدير خم فقال منادياً و بأعلى صوته ( مَنْ كنتُ نبيه فعلي أميره، ومَنْ كنتُ مولاه فعلي مولاه) وقد أكدت السماء هذا الندى بقولها ( اليوم أكملت لكم دينكم و أتمتت عليكم نعمتي ) وبعد هذا السرد الموثق بالأدلة و الحجج البالغة التي تكشف زيف المنكرين لها، و تضع النقاط على الحروف حينما سلطت الضوء على مجريات تلك الأحداث التاريخية الصحيحة التي لا تقبل الشك و التأويل و تزيح النقاب عن مواطن حقيقة أصحاب التدليس و كل مَنْ يسعى لحرف الحقيقة عن مسارها الصحيح الذي وثقته السماء بالدليل القاطع و البرهان الساطع وكما في قولها الأنف الذكر، فلم تدع أي بابٍ لمُدلسة دواعش الفكر التكفيري العقيم الضال، و الذي تناوله المحقق الأستاذ الحسني بالتحليل الموضوعي الدقيق ومنه ما جاء بالمحاضرة (8) من بحثه السامق وتحت عنوان " حُبُّ علي من الهداية و الإيمان " بتاريخ 12/8/2016 فقال : ( الأعمال الصالحات لا تُدخل الجنة إلا إذا قُرنت بحب علي – عليه السلام – و إن حب علي – عليه السلام – لا يُدخل الجنة إلا إذا قُرِن بالإيمان و الهداية و العمل الصالح ) . انتهى كلام الأستاذ .
و بهذه المناسبة العطرة نرفع أسمى آيات التهاني و التبريكات للأمة الإسلامية جمعاء سائلين المولى تعالى أن يجعلها فاتحة خير عليها و أن يُزيح كل غمة عنها إنه على ما يشاء قدير .
بقلم محمد الخيكاني