Image title

في كل لحظة تمُر تنساب الأفكار المخلوطة بالحزن بين رفات أفكاري، أنتقد نفسي تارة وتارةً أخرى أنتقد العالم من حولي. أين هويتي ! ذلك السؤال الذي يروادني كلما نزلت إلى الشارع في الإسكندرية، أجد المحلات لم تعد كما عهدتها، البنايات حتى وجوه الأشخاص.

في الصِغر كنت أتعلم كيف اُثبت خطواي على أرض الكورنيش وبجوار والدي و خالي ،كنت أسير بين السقوط مرة والنهوض والركض مُسرعاُ بإبتسامة الأطفال البريئة مرة وكانت الإسكندرية روحُ تروي أرض طفولتي الخِصبة.

كنتُ دوماُ ما أعلم السباحة على شواطيء "بحري" و "الأنفوشي" وأنا لا أعلم كيف يسبح كل هؤلاء الناس الذين اُشاهدهم في التلفاز وبروح الحماس و المُراهقة تعلمت السباحة بذاتي بدافع أن أنتمي لذلك المكان وتلك المدينة قولاُ وفعلاُ، حتى لا أكبر يوماُ ويقول لي الناس كيف أنت من الإسكندرية ولا تُجيد السباحة.

فعلتُ كل ما بوسعي لكي أكون مثل أبي و جدي "لكي أكون إسكندرانياُ على حق" فتعودت منذ الصغر على حب الإسكندرية و الخوف المُفرط على كل ما هو على أرضها، حتى الورقة الصماء إن اُلقيت على الأرض أمامي أفزع لكي لا تتسخ أرض الإسكندرية.

وبين أزِقة الزمن سرقتني الدُنيا مُراهقً وأردتني لأزِقة الزمن مرةً أخرى شاباُ يافع قوي البنيان و فسيح الفِكر، ولكن المكان لم يعُد كما كان، سُرقت لذة السير في شوارع "مدينة الرب" وباتت كل المعاني التي يعنيها لي هواء الإسكندرية باهتة، صماء كما تلك الورقة التي كنتُ أفزع إن رأيت شخصُ يلقيها على أرض الإسكندرية.

كل الأيام أصبحت مُملة بين وجوه تعيسة حملتها إلي المدينة رياح الأرياف المُجاورة التي طالما كانت تشتهر دوماُ بين أهل الإسكندرية "بالبؤس و الفقر و تصلب الفكرِ والمشاعر"، كل ما كنتُ أسمع "الإسكندرانية ينعتون به أهل الريف وأنا صغير بات هو ما أراه اليوم حولي في وجوه الناس في الإسكندرية.

ضاق الكورنيش بأهلها الأوفياء. لم يعُد كورنيش الإسكندرية كما كنتُ أراه وأنا صغير ! أصبح عبارة عن رصيف "مُحطم" تحت بند الإصلاحات التي طالت لشهور عديدة إقتربت من عامً كامل، وإذا كنت تسير بإتجاه أبو قير وكان البحر على يسارك ستجد خرابً لا ينتهي طال أطراف الشواطيء القصيرة التي تنتهي بالصخر الذي يصدُ الأمواج عن الإسكندرية في الشتاء.

باعة جائلين "متسولين" بوجوه تُثير الإشمئزاز من حولك في كل مكان، ريفيين حولوا كل معنى جميل لكورنيش الإسكندرية إلى لحظات سوداء تمُر عليك عندما تسير عليه لتردد بداخلك "متى ستنتهي تلك اللحظات وأبتعد عن أولئك وأعود أدراجي إلى منزلي وأغلق بابه اللعين بكل الأقفال الموجودة في بيتي".

نساء تتسم وجوههم بالـ"فتونة" قد نزحوا من بحري" ليساعدوا أزواجهم "المتسولين" في إيذاء المارة على الكورنيش وسبهم وضربهم والتعدي على حُرماتهم وخصوصياتهم تحت عنوان "أكل العيش".

مصارف للصرف الصحي تُلقي مُخلفاتها في البحر وعلى الشواطيء لُفاجاء بروائح "تنة" تفوح من الكورنيش عندما تسير عليه بغرض إستنشاق هواء طبيعي مليء باليود ! 

مقاهي و "كافيهات" تعلو بعلو البنايات المقابلة للضفة الثانية من الكورنيش وأصبحت كما لو كان سباق " انت تعلي وأنا اعلي".

سيارات تسير بأقصى السرعات للتباهي بماركتها أمام العامة، "على حسب علمي أن الأرياف لا تحتوي على أماكن واسعة للسير بالسيارات فيها لذلك اُعطي ذلك مبرر لعقلي عندما يتعجب من سبب ذلك الفعل الحيواني" !

وفي الضفة اليمينية لذراعك الأيمن "لا تلتفت إن كنت تحب الإسكندرية، ستحزن" بنايات عديدة "عُمارات اليهود" جلست تماماُ على الأرض مسلوبة التُحف والأعمدة التي كانت تُزينها لأكثر من مائة عام، في "المنشية - محطة الرمل - شارع فؤاد - الأزاريطة - كامب شيزار" حدث ولا حرج عن كم البنايات الأثرية التي عهدتها منذ طفولتي تُلفت إنتباهي من مسافات بعيدة والتي باتت في يومنا هذا "خرابات" للكلاب والقطط والمُشردين.

حُزن يغلل إلى عقلي وقلبي ومشاعري حتى نهايات أطرافي العصبية على حال الإسكندرية ! إلى أين ستذهب أكثر من ذلك وأين هي هويتي ! نسوا ان عب الإسكندرية يموت عندما يفقد روحها الحرة، نسوا أن هناك إسكندرانية خلف رؤوس أموالهم و مشاريعهم ومصالحهم ! لقد نسونا.