بينما كنت انتظر القهوة صباح يوم ما في مقهى شهير واراقب تحركات الناس بفضول.

على يساري رجل بوقار و بلحية طويلة ما أن نادى صانع القهوة على رقم طلبه حتى فتح كاميرا جواله وبدأ تصوير رحلته من طاولته إلى كأسه على طاولة صانع القهوة. في يميني فتاة استلمت قهوتها ووضعتها وبدأت تلتقط صورة لها.

أحد المرات كنت في مطعم وأحدهم يحاول التقاط صورة لوجبته ويبدو أن محاولاته فشلت في التقاط صورة إحترافية وأعتقد ان الوجبة أصبحت باردة وصار الموقف بالنسبة لي كوميدياً.

لدي نفور من ركوب الموجات بسبب لا أعرفه لذلك لم أستخدم سناب شات إلا في نهاية 2017 ، وكان للفضول فقط.

لا أعلم إن كان ذلك رغبة سخيفة في أن أكون مختلف متمايز عن أقراني  ، أو أني لا أنجرف في فعل حتى أحتاجه. وهذا أمر قد نسرد له تدوينه أخرى.

لا يعرف حسابي في سنابشات إلا قلة صغيرة لأن لا يوجد فيه ما يستحق وليس لدي حياة أحداثها فريدة يهتم الناس بها ، روتين يومي يشبه روتين أي أنسان أخر على وجه المجرة.

وأقابل بنقد بأنني منقطع عن الناس لسبب بسيط أني لا أظهر على صفحة الأصدقاء في واجهة تطبيق سنابشات الخاصة بهم.

كتسجيل تواجد أصور قهوتي على فترات متقطعة حتى أقول أنا هنا، أشبهكم وافعل مثلما تفعلون وأمارس أدميتي !

اخترت القهوة لأن تصويرها سهل وغالبا جذابة لما تملكه هذه السوداء من فتنة. ولأني لا أحبذ أن نظهر للناس أننا نعيش حياة متكدسة بالسعادة ، صورت قهوتي ذات صباح  وعلقت عليها بأنها في غاية السوء لأكسر السائد وأذكر أن الحياة في أصلها الكثير من الاشياء السيئة وقليل من الفرح.

قبل حوالي خمس سنوات ذهبت لمطل برج الفيصلية في الرياض وكان توقيت تواجدي قبيل أذان المغرب وما أن وصلت حتى فتحت هاتفي لتصوير المشهد الكبير كله لكن من شاشة هاتفي الصغيرة للأسف. وكررت الصور حتى تكون إحداها فريدة أشارك بها الناس عبر أي من شبكات التواصل الإجتماعي.

وغربت الشمس سريعاً وحل الظلام وشعرت لحظتها كيف سرقت شاشة جوالي اللعينة التحليق بناظري في الأفق وأدركت كل الإدراك أن العيش لترى لا لتريهم.

تختزل حياتك في فرادتك في تصوير ماديات أكثر ، ثم تصبح المقارنات البشرية والطبقات في المظاهر التي يصورها الفرد بهاتفه النقال.

وتختفي ذواتنا وخصائصنا الإنسانية ويكون وزنك وقيمتك هي الصورة وما تحتويه وطريقك للبقاء في مجتمع يحيط بك هو قدرتك على الشراء والإستهلاك والخروج من منزلك للتصوير !

ممارساتك الإجتماعية بين حالة الواتساب وقصص سناب شات وإرسال المقاطع في المجموعات لتقول أنا لا زلت أتنفس وتعود مساءً إلى غرفتك الفارغة تنزع عن جسدك أرديتك البراقة وأحداث يومك الفاتن وتدس رأسك بين سريرك ووسادتك مجهد من إرتداء قناعٍ ضاحك يثقل حياتك.