Image title

السنة النبوية لها مفهومان أحدهما عام والآخر خاص :

(1) أما الأول أي المفهوم العام: فهو عكس (البدعة)، فالسنة هنا بمعنى (طريقة النبي في تنفيذ احكام الله وخصوصًا في شعائر التعبد) فالله أمرنا بالصلاة والزكاة والحج والصوم، والنبي علّمنا كيف نفعل ذلك بشكل عملي .. فالسنة بهذا المفهوم (واجبة) الاتباع على كل مسلم، فلا يصح أن يخترع من يشهد أن محمدًا رسول الله صلاة مخالفة لسنة الرسول اي لطريقة النبي المعروفة والمنقولة إلينا بالتواتر الجماعي المجتمعي العملي...

(2) وأما الثاني أي المفهوم الخاص: وهو عكس (الفريضة) كقولنا صلاة العشاء فريضة وصلاة الوتر سنة.. الحج فريضة وذبح الأضحية سنة.. صوم رمضان فريضة وصوم يوم عرفة سنة.. الغسل من الجنابة فريضة والغسل يوم الجمعة ويوم العيد سنة ... إلخ.... فالسنة بهذا المفهوم هي عكس الفريضة .. فالفريضة اذا تركتها تكون آثمًا، وأما السنة بهذا المفهوم اذا تركتها لست آثمًا، كمن اكتفى بالصلوات الخمس ولم يصلِ سنة الفجر وسنة الوتر أو من اكتفى بصوم رمضان ولم يصم يوم عرفة ... الخ ... أما السنة بالمفهوم الأول أي بمعنى (طريقة النبي في الصلاة والصوم والزكاة والحج والعمرة وغير ذلك من العبادات) فأنت ملزم بها، واذا فعلتها بغير طريقة وسنة النبي واخترعت طريقة جديدة للصلاة والحج مثلا فهنا تكون آثمًا وصلاتك باطلة وحجك غير مقبول اذا كنت تعلم طريقة وسنة النبي وتركتها مع سبق اصرار وعناد كأن تقول "محمد بشر وأنا بشر وأنا أريد أن أعبد الله بطريقتي الخاصة وعلى كيفي!!".. هنا تكون آثمًا لأنك تركْتَ سنة وطريقة النبي في الصلاة والحج بالرغم من علمك بها الا أن تكون قد فعلت ذلك عن جهل بسنة وطريقة النبي في الصلاة والحج فهنا يكون الجاهل معذورًا بجهله اذا كان حديث عهد بالاسلام ولم يجد من يعلمه طريقة النبي في الصلاة، أما المسلمون الذين يعيشون في مجتمعات مسلمة (سنية أو شيعية أو اباضية أو زيدية) فلا عذر لهم بالجهل، فطريقة الصلاة الاسلامية والحج معروفة ومشهورة وهي من المعلوم من الدين بالضرورة الذي لا يُعذر فيه الجهل بجهله، مثل من يزعم بأنه يجهل أن الخمر والزنا ولحم الخنزير حرام!، فكل من يعيش في مجتمع مسلم يعلم أنها حرام بل حتى غير المسلمين يعرفون ذلك ولا يجهلونه، وكذلك الصلاة لها صفة محددة هي صلاة النبي محمد! ...
* * *
وأخيرًا فسنة النبي بالمفهوم الثاني الذي هو عكس (الفريضة) تنقسم إلى نوعين : سنة مؤكدة، وسنة غير مؤكدة.. فالسنة المؤكدة أي ما كان الرسول يحافظ عليها ولا يتركها أبدًا في السفر والحضر سواء أكانت هذه السنة المؤكدة في قسم (سنن العبادات) مثل المضمضة والاستنشاق والاستنثار في الوضوء ومثل صلاة الوتر وصلاة العيد والقيام في رمضان، أو كانت في قسم (سنن العادات) مثل اعفاء اللحية وقص الشارب وازالة شعر الابطين والعانة فهذه سنن مؤكدة ... وأما السنة غير المؤكدة فهي ما كان النبي يفعلها تارة ويتركها تارة أخرى وخصوصًا في السفر ، ربما مثل صلاة الضحى وبعض السنن التي تسبق الفريضة وتعقبها، وكذلك الحال صلاة التراويح في جماعة، فالنبي فعلها تارة وتركها تارة، أما صلاة التراويح في ذاتها في رمضان فهي سنة مؤكدة فلو صلاها المرء منفردًا فلا حرج في ذلك وهو على السنة .. وهذه السنة بهذا المفهوم سواء المؤكدة وغير المؤكدة هي (سنة مستحبة) وليست (فريضة) قطعًا، وبالتالي فمن جاء بها فهو مأجور ومن تركها فلا يأثم لأنها ليست فريضة.. أما السنة بالمفهوم العام الأول أي بمعنى اتباع (طريقة النبي في عبادة الله بشعائر التعبد) مثل طريقة وهيئة وعدد الصلوات وطريقة الحج والصوم والزكاة والذبح والعمرة، فهي (سنة واجبة) يجب شرعًا على المسلم اتباعها فهو اذا لم يلتزم بها في عبادة الله ولجأ الى اختراع طريقة اخرى للصلاة والحج على غير هيئة وعدد طريقة النبي فهو آثم وعبادته لله مرفوضة الا اذا كان يجهل طريقة النبي!..... هكذا يجب نفهم مصطلح (السنة) سواء بمفهومها الالزامي الأول (السنة الواجبة) التي يأثم تاركها كمن صلى صلاة على غير الصلاة المعهودة المنقولة عن النبي أو حج بطريقة مخالفة لطريقة النبي، أو بمفهومها الثاني غير الالزامي (السنة المستحبة) التي يُؤجر فاعلها ولا يأثم تاركها كمن ترك صلاة الوتر وتنظيف أسنانه بالسواك أو من حلق لحيته ولم يعفها فهذا لا يأثم ولكنه فاته أجر السنة المؤكدة، وقد يفعل من الصدقات والقربات الأخرى كصلة الأرحام واطعام الطعام للفقراء ما يغنيه عن هذه السنن المؤكدة مادام ظل ملتزما بالفرائض.. والله أعلم!.
********
سليم نصر الرقعي
(*) هناك فرق بين (طريقة النبي في عبادة الله بشعائر التعبد) و(طريقة النبي في سياسة أمور المسلمين وإدارة الشأن العام في زمانه بإعتباره القائد السياسي والعسكري والحاكم الناظم لدولة المدنية)، فالأولى ملزمة للمسلمين في كل زمان ومكان وهي سنة النبي التعبدية، وأما سياسات النبي لا تدخل في مفهوم السنة بل في مفهوم السياسة الشرعية التي تتغير بتغير المكان والزمان والظروف.