عندما كنت أحاضر في الجامعة كان الطلاب يدرسون برنامجاً مكثفاً لتعلم الإنجليزية في سنة تحضيرية يأتون بعدها لكلية الهندسة والتي ينبغي على الدارسين فيها الإلمام باللغة حتى يتمكنوا من المواد. في الحقيقة وجدت أغلب طلابي بلغة ركيكة ضعيفة، وأعتقد أن أي متعلم للغة يجب أن يكون أفضل من ذلك بكثير خصوصاً إذا ما صاحب ذلك دفع مبالغ طائلة سواء من قبل الحكومة أو الجامعة أو الشخص نفسه يصرف ماله ليتعلم. هناك تفاوت فمنهم من يستوعب ما يُشرح بالإنجليزية ومنهم من يفهم بعضه وعند التحدث فبعضهم لا يكاد يتحدث وآخرين كلمات متقطعة تؤدي للمعنى ونادراً ما يجمع أحدهم جملاً تشرح المسألة أو النقاش.
في ذلك الفصل الدراسي كان ضمن الطلاب طالباً مختلفاً يدعى "فيحان"، لا أكاد أسأل بالإنجليزية إلا ويجيب بالإنجليزية بترتيب ولا أقول بإحترافية. أقصد أنه بدا لي أنه لم يتعلم اللغة كمحترف يتقن القواعد ويستخدم المصطلحات الشائعة والتعابير المحلية عند الأمريكان أو الإنجليز. قدمت لهم اختباراً وكان هناك أسئلة نظرية تحتاج للكتابة توقعت أن لا يجيب عليها أحد وكانت في نيتي أنها ستستخدم كنقاط إضافية. فيحان أجاب عليها بكتابة جميلة وافية كافية. مذهل! لا بد وأن هناك شيء يفعله أو فعله فيحان ولم يفعله بقية الصف الذي يعاني كل هذه الصعوبة في مواجهة اللغة. حين خرج بادرت إلى سؤاله: ما شاء الله يا فيحان .. لغتك ممتازة، أين تعلمت اللغة؟ رد ببساطة ومالم أتوقع قائلاً: قضيت الصيف الماضي ثلاثة شهور في معهد "Wall Street" في مدينة الرياض. حسناً، ولكن أكثر الطلاب يا فيحان يذهبون إلى المعاهد ويصرفون الأموال ولكنهم لا يتعلمون. فأخبرني أن الكثير يذهبون للمعاهد يتعلمون في المعهد وعندما يغادرونه فإنه انتهى التعليم، وما عملته أنني مستمر في التعلم داخل المعهد وخارجه.
رد فيحان منطقي وفي منتهى البساطة والإختصار. عندما كنت أدرس اللغة في أمريكا كان أساتذة المعهد يخبروننا بأن ٣٠٪ علينا و٧٠٪ على الطالب خارج أسوار المعهد. التعلم عملية مستمرة وجهد يتركز على المتعلم أكثر من غيره بالبحث والإطلاع للوصول لإحتياجه. هناك نظريات مدمرة للمتعلم وهي تعلم فقط ذلك الشيء من اللغة ليساعدك للحصول على ذلك الشيء، ومثال ذلك من يقول تعلم فقط ما يساعدك لتحصل على الشهادة. هنا يقر المتعلم أن هدفه الشهادة لا الإتقان. اللغة خصوصاً هي باب للدخول إلى المجتمعات وثقافاتهم والإطلاع والمعرفة.
اليوم يأتي الوضع في سياق مختلف تماماً خصوصاً مع مصادر التعليم المفتوح من مواقع تعليمية متخصصة تشمل الجامعات والجهات التطوعية ويوتيوب وغيره. من أراد أن يتعلم يمكنه أن يلتحق بأفضل جامعة أحياناً لتعلم تخصص مجاناً فما بالك باللغة. هل تعلم أنه يمكنك أن تتعلم مواد في أفضل جامعات العالم كستانفور وام آي تي وأنت في بيتك، هذا يبدو لي خيالاً ولكنه حقيقة اليوم ودون أن تدفع ريالا واحداً. متعلم الإنجليزية اليوم أمام فرصة لا مثيل لها فهناك مئات المواقع تشرح بالإنجليزية والعربية المبتدئ منها والمتقدم. أعتقد أنه لا يوجد اليوم عذراً أمام شخص يقول أنا لم ألتحق بمعهد!
نصيحتي بعد التجربة:
غالباً ما يأتيني السؤال أين أسافر أو ما هي الدولة الرخيصة من أجل أن يتعلم اللغة. أقول لك لا تبدد أموالك! أنت أو ابنك أو اختك يمكنكم أن تلتحقوا بأفضل معاهد اللغة ودوراتها وأنت في بيتكم وعند أهلكم أو حتى وأنتم في أعمالكم للموظفين. من أراد التعلم فسيتعلم اليوم ويثبت نفسه من خلال المصادر المفتوحة المجانية وبأقل التكاليف. نحن تعودنا هكذا أن أي شيء تدفع عليه مالاً سيكون أفضل. التحقت مرة بدورة دفعت عليها مالاً والحقيقة أنني ندمت لأن أخواتها في الإنترنت مجانية ولكن غرني اسم مقدمها وكثرة الإقبال عليها والشيء الذي بداخلنا تعودنا عليه أن تدفع فهو أفضل.