لا يخفى على أحد تلك الحالة المتردية التي نعانيها من أخلاقيات سيئة في مجتمعاتنا العربية،والتي سبب رئيسٌ فيها تلك الأعمال الهابطة التي تقدم في التلفاز، والتي لا ترقى إلى كونها فنًا،فهم يكرسون لأخلاقٍ ليست من أخلاقنا،ويرسخون في الأذهان صورة سيئة عن مجتمعنا،والتي سرعان ما تُتَرجم واقعًا نعيشه في حياتنا اليومية على أيدي أولئك الذين تأثروا بتلك المشاهد.

     تجد الفيلم أو المسلسل منهم يعرض طوال ساعات وساعات طوال مشاهد عنفٍ وجريمة،وتجعل في أغلب المشاهد المجرمَ أو البلطجيَّ يشعر بأوج قوته،حينها يعجب الشاب الفتيُّ -وهو في أوج قوته-بالقوة، ويريد ـأن يحذو حذوهم في السيطرة، والتسلط على رقاب الناس.

     بل إنهم يأتون بالمبررات السخيفة لأفعالهم هذه، ففي إحدى الأعمال الدرامية قام الممثل بعملية قتل لنفس-سواء أكانت آثمة أم بريئة-،ولم يلبث أن أخذ يسوق أمام أمه وأقاربه -وبالتالي أمام المُشاهِد-ما خطر على بال المؤلف من مبررات سخيفة لجريمته تلك،ونسي قول الله -عز وجل-:"ولا تقتلوا النفس التي حرّم اللهُ إلا بالحق ومن قُتِل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطانًا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورًا"،ونتيجةً لضعف الثقافة الدينية لدى أبنائنا، بل إنني لا أبالغ إن قلتُ انعدام الثقافة الدينية لدى السواد الأعظم منهم;فإنهم يقتنعون بهذا الكلام، ويسعون إلى تطبيقه واقعًا عمليًا في حياتهم ،ولا سيما أن الشاب منهم يريد أن يشعر بالقوة والبطولة!

     صحيحٌ إنهم يقولون إنهم يضعون النهايات مأساويةً لأمثال هؤلاء،ولكن الطامة الكبرى أنهم لا يضعون هذه النهاية سوى في مشهد أو مشهدَين لا يربوان على بضع دقائق ، سرعان ما يزول أثرها من النفس،وتبقى في النفس المشاهدُ الطويلةُ-التي لامست رغبةَ الشباب-التي تعجُّ بمشاهد العنف،والتي يحسبها الشاب-خطأً-بطولةً.وهذا الكلام ليس من كيسي بل هو ما أشار إليه المخرج كمال الشيخ في حوار له مع أستاذنا مصطفى محمود وسجله في أحد كتبه(1) ،وهذا أيضًا ما أشار إليه الفنانُ/محمد نجم في حوار معه.

فتلك الأعمال ترسخ قيمًا سلبية في نفوس أبنائنا،وهو ما أكد عليه الأستاذ الكبير أنيس منصور بقوله:"وما دامت مسلسلات التليفزيون والأفلام تشيع ذلك بالألوان، إذن فهذه إرادة عامة"(2).

     نقارن ذلك بعملٍ آخرَ هو من أروع ما قدمته السينما العربية بل والعالمية،ألا وهو فيلم الرسالة من إخراج المخرج الكبير مصطفى العقاد،فهذا الفيلم بنسختيه العربية والإنجليزية قد رسم صورة جيدة لحياة السيد الأعظم رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه-،وهو منذ عرضه للمرة الأولى عام 1979م مازال يُعرَض إلى يومنا هذا في كل مناسبة دينية،أي إنه عملٌ حي،بل إن هذا العمل بنسخته الإنجليزية قد تسبب في إسلام المئات في أوروبا وأمريكا،وإنْ لم يسلم البعضُ فإنه -على الأقل-قد كنّ للإسلام ولنبيه -صلى الله عليه وسلم-احترامًا،فهذا الفيلم ناجح بكل المقاييس سواء على مستوى الإيرادات أو الشهرة أو حتى على المستوى الأخلاقي.فقد يتحجج البعضُ من أن الأعمال الفنية الجيدة لا تحقق ربحًا،فهذا أفضل نموذجٍ أمامهم لعملٍ فنيٍّ جمع بين الحُسنَيين ،فَلِمَ لا يحذون حذوه؟!

     أكد أحمد عرفات القاضي في كتابه "تجديد الخطاب الديني"على دور السينما في تشكيل وعي وعقلية المواطن الغربي(3)، وقد فَهِم اليهودُ ذلك مبكرًا واستغلوا السينما أيّما استغلال في تشويه صورة الإسلام والمسلمين،حتى باتت صورةً راسخةً في أذهانهم عنا-نحن المسلمين-،فَلِم لا نستغل نحن نفسَ الوسائل في تحسين تلك الصورة المشوهة على مر عقود؟!


(1)الدكتور مصطفى محمود/الإسلام في خندق

(2)أنيس منصور/وأنا اخترت القراءة67

(3)أحمد عرفات القاضي/تجديد الخطاب الديني 256-257