قال عليه الصلاة والسلام: « إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ».[1]

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا ». فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ. ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِى مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ. فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَىْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَدَعُوهُ ».[2]

قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ [المائدة/101، 102]

قَالَ ابنُ حَجَر: الْمُرَادُ بِهَذَه الآيَةِ تَرْكُ السُّؤَالِ عَنْ شَيْء لَمْ يَقَع خَشْيَة أَنْ يَنْزِل بِهِ وُجُوبه أَوْ تَحْرِيمه، وَعَنْ كَثْرَة السُّؤَال لِمَا فِيهِ غَالِبًا مِنْ التَّعَنُّت، وَخَشْيَة أَنْ تَقَع الْإِجَابَة بِأَمْرٍ يُسْتَثْقَل، فَقَدْ يُؤَدِّي لِتَرْكِ الِامْتِثَال فَتَقَع الْمُخَالَفَة. فعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ t أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: « إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَىْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ ».[3] وَلَا تُكْثِرُوا التَّنْقِيب عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إِلَى مِثْل مَا وَقَعَ لِبَنِي إِسْرَائِيل، إِذْ أُمِرُوا أَنْ يَذْبَحُوا الْبَقَرَة فَلَوْ ذَبَحُوا أَيّ بَقَرَة كَانَتْ لَامْتَثَلُوا وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا فَشُدِّدَ عَلَيْهِمْ، وَبِهَذَا تَظْهَر مُنَاسَبَة قَوْله عليه الصلاة والسلام فِي الحَدِيثِ الَذِي مَرّ آنفاً: " فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ " إِلَى آخِره بِقَوْلِهِ: " ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ".[4]

وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّار وَابْن أَبِي حَاتِم فِي تَفْسِيره مِنْ طَرِيق أَبِي رَافِع عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا: " لَوْ اِعْتَرَضَ بَنُو إِسْرَائِيل أَدْنَى بَقَرَة فَذَبَحُوهَا لَكَفَتْهُمْ، وَلَكِنْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ ".[5]

قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ.. الآيات.  [البقرة/67، 70]

ويمكن أن تنقسم الأسئلة إلى ثلاثة أقسام:

الأول: ما يراد منه التعلم في أَمْر الدِّين والدنيا فَهُوَ جَائِز بَلْ مَأْمُور بِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل/43])، وقد نزلت الآيات الكثيرة رداً على أسئلة الصحابة في الكلالة والأنفال والأهلة والنفقة والخمر والميسر..

الثاني: مَا كَانَ عَلَى وَجْه التَّعَنُّت وَالتَّكَلُّف أو الاستهزاء. وَهُوَ الْمُرَاد فِي الْحَدِيث الذي مرّ بقوله r: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ" وَاَللَّه أَعْلَم، وَيُؤَيِّدهُ وُرُود الزَّجْر فِي الْحَدِيث عَنْ ذَلِكَ وَذَمّ السَّلَف، فَعِنْد أَحْمَد مِنْ حَدِيث مُعَاوِيَة: " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْأُغْلُوطَات ". قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هِيَ شِدَاد الْمَسَائِل. [6]

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما – قَالَ: كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتِهْزَاءً، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِى؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ: أَيْنَ نَاقَتِى؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ  [المائدة/101]). [7]

وعَنْ أَبِى مُوسَى الأشْعَريّ t قَالَ: سُئِلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: « سَلُونِى عَمَّا شِئْتُمْ ». قَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِى؟ قَالَ: « أَبُوكَ حُذَافَةُ ». فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: « أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ ». فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا فِى وَجْهِهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. [8]

الثالث: ما كان على وجه الفضول وتكلف الفرد ما لا يعنيه ولا يهمه، ولا يفيده شيئاً في أمر الدنيا ولا في الآخرة. كسؤال أحدهم للآخر من أين اشتريت هذا (الشيء)؟ وبكم اشتريته؟ ولماذا؟.. أو كسؤال أحدهم عن أسماء أصحاب الكهف، وحواري عيسى عليه السلام، ودقائق من الأمور التي يأخذ المؤمن الحكمة منها ولا يهمه التفصيل فيها.

فينبغي الِاشْتِغَال بما يفيد المرء من أمر الدين والدنيا والآخرة، والإعراض عما سوى ذلك من فضول الكلام وشغل الأذهان وتضييع الأوقات.

د. بشار القهوجي

[1] . أخرجه الشيخان عن المغيرة بن شعبة.

[2] . أخرجه مسلم.

[3] . أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري.

[4] . انظر فتح الباري لابن حجر - (20 / 339).

[5] . انظر المصدر السابق نفسه.

[6] . انظر فتح الباري لابن حجر - (20 / 339).

[7] . أخرجه البخاري.

[8] . متفق عليه، وفي رواية لهما عن أنس: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ أَيْنَ مَدْخَلِى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: « النَّارُ ».