أقر الإسلام الجمال من حيث إجلال الصانع وإعظام المبدع في ما خلق فسوى، وقدّر فهدى. ولكنه شدد في الوقت نفسه النكير على أن يستعمل ذلك في التكبر والتعالي على الآخرين والاستعلاء عليهم والزراية بهم.

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ قَالَ: « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ يَعْنِى مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ». قَالَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّهُ يُعْجِبُنِى أَنْ يَكُونَ ثَوْبِى حَسَنًا وَنَعْلِى حَسَنَةً. قَالَ: « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ».[1]

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ ». [2]

هناك فرق كبير بين شخص يحب أن يلبس الثوب الجميل، والنعل الجميل، ويركب السيارة الأنيقة.. وبين من يفعل ذلك ليتعالى على غيره ويتعاظم في نفسه، ويرى أنه فوق الآخرين، مستخفاً بهم ومسفهاً لأحلامهم ومستهزئاً بمتاعهم ومقتنياتهم.. إنه يفعل ذلك تكبراً وغروراً وتعالياً. وأمثال هؤلاء المتكبرين ليس لهم مكان في الجنة، فيقول الحق تبارك وتعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83]

ولقد مر عنا في قضية الزهد أن المصطفى ﷺ كانت ناقته لا تسبق من القوة والجري مما ليس للآخرين، فعن أَنَسٍ رضي الله عنه قال: كَانَتْ الْعَضْبَاءُ لا تُسْبَـقُ، فَجَاءَ أَعْرَابيّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَابَقَهَا فَسَبَقَهَا الأعْرَابيّ، فَكَأَنّ ذَلِكَ شَقّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُوله الله ﷺ، فقالَ ﷺ: « حقّ عَلَى الله، أَنْ لا يَرْفَعَ شَيْئاً مِنَ الدّنْيا إِلاّ وَضَعَهُ ».[3]  وورد عنه أيضاً أنه كان ينتقي الثياب أو تهدى إليه فيلبس أحسنها. فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ*.[4]   

فالإسلام العظيم راعى مطالب النفس التي تحب الجمال والأناقة، وهذا مطلب حسن ومندوب، وكل منا يجب أن ينزع إلى ذلك بشرط ألا يتعلق قلبه به، وألا يخالطه سرف أو تبذير، وألا يراد به الخيلاء والتكبر على الآخرين. أما إذا كان القصد فيه الاستعلاء والاستكبار فهو عين البغي والكبر الذي حرمه الإسلام تحريماً قاطعاً.

د. بشار القهوجي

[1] . أخرجه أحمد والترمذي واللفظ له وقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، غمص: احتقر واستهان.

[2] . أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم، وحسنه الألباني.

[3] . أخرجه البخاري.

[4] . متفق عليه.