حالما يتكوّن الوعي لدى المتلقّي تصبح الظواهر اعتياديةً للغاية،فما أن يغيب الإدهاش ويخفت بريق الشغف،حتى ينصرف الناس عن أولئك الذين أثاروا جدلاً واسعاً لأهداف لا علاقة لها بالمضمون والمواضيع المطروحة،بل هي منافع شخصية بحتة ينالها صاحب الجدل ولا يتبقّى للمخدوعين به إلا السراب.

لقد ابتلت الساحة الثقافية بأمثال هؤلاء بعد الثورة التكنولوجية في السنوات الأخيرة،وظهرت لنا أسماءٌ كثيرة تنسب نفسها إلى الساحة الأدبية وهم بعيدون تمام البعد عن حقيقة وتاريخ وعراقة الثقافة،وقد استطاعوا تكوين قاعدةٍ صلبة ضربت القواعد التقليدية في مقتل،وانقسم المتابعون ما بين أنصار المدرستين،القديمة والمعاصرة كما تسمى،حتى وقع الفأس في الرأس وظن هؤلاء الأدعياء أنهم أوصياء على المجتمع فشهروا سيوفهم في مختلف المواضيع بمناسبة وغير مناسبة،وتحوّلت صراعاتهم إلى مادة خصبة للتهكم،وانكشفت أوراقهم أخيراً بعد أن اتخذوا من الثقافة نقطة إنطلاقة لأهدافهم وهم مصابون بضحالةٍ هائلة ومستوى فكري شحيح.

وحينما وضع النقّاد أيديهم على نتاجات هؤلاء شخّصوا حالتهم بأنهم عبارة عن مرضى مصابون بهوس الشهرة وعشق الظهور وأن أعمالهم الركيكة لا يمكن أن تصنّف كألوانٍ أدبية ،بل هي صور مشوّهة واقتباسات متدنية من أعمال مرئية وسينمائية ...الخ

إذن انقلبت الآية وأصبح الجدل يجرّ الدجل،لذلك انصرف القارئ والمتابع الحقيقي عن أمثال هؤلاء وبقي المساكين الذين لا زالوا مخدوعين بتجّار الكلمات إلى أن يكتشفوا الحقيقة الصادمة في نهاية المطاف.

لذلك فقد وقع شركاؤهم في دائرة الاتهام،من مواقع من دور نشر وغيرها من نوافذ الإبداع التي سخّرت إمكانياتها لأمثال هؤلاء لسنوات عدّة قبل أن يقعوا في مصيدة التشعّب التي كشفت لنا حقيقة الأدعياء ونبّهت القرّاء إلى ضرورة التمعّن والتفكير قبل الحكم على مستوى المؤلف،وألا ينجرفوا وراء البهرجة الزائدة التي كلّفت الثقافة الكثير وحجبت أسماءً لامعة كان من الممكن أن تثري الساحة الأدبية بنتاجات حقيقية وعصرية لولا الآفات الأزلية التي لا زلنا نعاني منها من تهميش وتحجيم وتكرار.

"إن الأشخاص الهادئين يمتلكون أكثر العقول صخبا ونشاطا "

ستيفن هوكينغ

عالم فيزيائي