قلم تمسكه يدي ليكتب ناطقا باسم قلبي الذي ينزف دما و دموعا...

مثلما قال جبران في كتابته...ليس من يكتب بحبر القلم كمن يكتب بدم القلب...

أخط بيدي على هذه السطور...بعد طول زمن بعيد عن حرفتي الكتابية ...مثلما هو بعيد عن حرفتي اللغوية و الانشائية في اللغات الثلاث التي كنت ذات أيام معدودات أتقنها بسبب مشاغل و أمور خارج نطاقي و خارج اهتماماتي و قد أقحمت قسرا فيها و تم إشغالي قسرا بها.

أخط بيدي على هذه السطور التي بقيت فارغة مدة طويلة من الوقت مدفوعة و مضطرة باضطرار تراكم النوائب و الاحزان و عقبات الفشل فوق سحابتي ...

لقد تم إرهاقي و إزهاقي عبثا و استهتارا...

لقد تم التلاعب بتحركاتي و سريرة نفسي حتى مللت و ضقت ذرعا من نفسي ومن حياتي لدرجة لم تعد تطاق!يا ربي!يا إلاهي!يا ملكي!يا مولاي!أستغيثك و أستنجدك و أستحميك!!يا رب!لم أعد أتحمل!لقد أزهقت روحي و أزهق قلبي ممن قدرت لي أن أعيش من عبادك معهم و أن أكون معهم تحت سقف واحد!...

يا رب!ما هذا الذي وقع بي؟!ما هذا الذي حل بي؟!أهذا بسبب ذنوب و سيئات ارتكبتها عن قصد مني أم دون قصد؟!أو هذا بسبب انشغالي عن عبادتك و ذكرك؟!أو هذا عقاب منك لي عن أشياء اقترفتها يداي أو همت نفسي بفعلها أو فكرت فيها و لم ترضيك؟!يا رب!أخشى أن يكون سخطك و غضبك علي قد يحلان بي!!غفرانك ربي ليس لي سواك!غفرانك ربي ليس لي في حياتي غير وجهك الكريم و يدك التي فوق كل شيء و قبل كل شيء!غفرانك ربي و رحمتك و عفوك!غفرانك ربي و رحمتك و عفوك!غفرانك ربي و رحمتك و عفوك!

أنت ترى في داخلي طفلة صغيرة تبكي و تنتحب بمرارة و تهدج!أكل عمرها و جسدها المرض العضال الذي يسمى عائلة مقدمتها أم مستكلبة وأب عقرب يقودهما شيطان رجيم!

أنت تعلم عمري فيم تمت إضاعته و شبابي فيم تم إفناءه هباء...فحسبي الله و نعم الوكيل ...ها أنذا أتحمل عاقبة كل هذا في هذه اللحظات و هذه الايام المريرة و هذا الصيف المشؤوم...

أتحمل عاقبة تربية زائفة قذرة كرسوا بها حياتي لأتفه الأشياء و أحطها أهمية في مراتب أمور الحياة و العيش دون غيرها...

أتحمل عاقبة قذارة  والدين افتكا مني حتى أغلى ما أملك في حياتي!!ملكة تفكيري،فن إرادتي،حق حبي للحياة و التعرف إلى كل ما فيها و حتى مستقبلي الدراسي و المهني و كل طموحاتي و أشواقي و أحلامي!!

جعلني كل منهما أن أكرس حياتي و أعدها قسرا لخدمة اهتماماتهما و طلباتهما و مشاغلهما و مشاكلهما دون أن يلقيا بالا أو يتيحا لي أي فراغ أن ألقي بالا بدوري لاهتماماتي و مشاغلي أو أمنح أحلامي و أوتاري قيمة.لقد كنت و أصبحت و أمسيت ضحية مدمرة لعقرب جائع التهم عمري و زهرة شبابي و قذفها على جدران البيت البائس و مخلوقة سرطانية تسرب سمها و داب في كل نقطة من عقلي و قلبي و روحي كي تجعلني أسخر نفسي لشؤون هذا البيت الذي لم يضح سوى مقام خانق أعد للأسرى و المساجين و المعتقلين...

لن أستطيع أن أسترجع كل يوم وكل لحظة و كل دقيقة و كل ثانية من عمري خسرتها بسببه.هذا كل ما فعله هو بحقي،يا معشر البشرية و الانسانية:في نظره،ممنوع أن أخطو أي خطوة لمكان آخر سوى خط الذهاب و الاياب من البيت إلى مكان الدراسة و سوى الغدو و الرواح بين الدكاكين لشراء الضروريات!ممنوع أن أخرج للتنزه صحبة الرفاق و الاصحاب و الاحباب أو بمفردي أو حتى التحدث للآخرين!

ممنوع أن أشارك في أي مجرى من مجريات الحياة العامة و المدنية!ممنوع أن أتخذ قرارا يتعلق بذاتي دون موافقته!ممنوع التحرك خارج البيت و أحيانا بداخله دون سلطته و تحكمه و تدخله السافر و تعديه المتنمر!!

و مع ذلك كله أبقى لكي أتحمل قرفه المتمادي و إسهابه في شتمي و إهانتي كحاطب الليل في أغلب حقب الدهر!

يا لضيقي الضائم و ضجري الشديد من وجوده ووجودي مع صنمه الذي ينبض شرا و جورا...

قدرني الله و أعانني على كسر هذا الصنم المنتصب و المتسمر كالسارية المبنية غضرما و جيرا شاحبا أمام وجهي الممتقع!!مثلما كسر نبينا محمد أصنام قريش و أوثانها يوم عاد منتصرا إلى مكة!!يا لصوتي المنكسر الذي يصرخ في وجهه قائلا:فلتنفذ دعوتي المتظلمة عليك أن حسبي الله و نعم الوكيل فيما فعلته بي و تسببت به في إبكاء عيني!تبا لك،زهقا لك و محقا لك!تبا لك و ألف تب!

لأدعو لرب السماوات و الأرض أن يتنقم لي منك!أما على حسب ما تريني الحياة و تحاول إقناعي به ،إنني لن أستطيع أن أصلح أو أرقع ما أفسدته لي تلك التي أنجبتني كي تنصب نفسها لاتا لي...لقد استعبدتني و افتكت مني كل ثانية من وقتي كي تحول بيني وبين اعتنائي بنفسي و اهتمامي بدراساتي و قراءاتي..لقد صدأت عقلي و غلت رأسي بسيرة شؤون البيت ليلا نهارا على مدى سنين و عقود طوال..لم تكن تريدني أصلا أن أكد و أعمل لأجل نجاحي ،بل لشؤون البيت و خدمته هذه!منذ صغري،منذ نعومة أضفاري،و أنا أشهد تربيتها لي التي بنتها أساسا على أن تجعلني لها فقط و عملت من قوامها تشكيلي على التفكير و إعمال لبي فقط في "شؤون المنزل" و إعدادي للزواج و الاستقرار فقط دون أن ألقي فكرا لدراستي و مهنتي المستقبلية بل حتى مستقبل وجودي و مصيري..

كان الهم الأوحد و الإنجاز الأعظم و الغاية الأدنى و القصوى بالنسبة لي في نظرها شؤون البيت و البحث عن زوج...هذا ما كشفته لي الايام و أثبتته لي التجربة...لقد حدثتني مرارا و تكرارا في هذه المواضيع التي أصبحت أضيق بها ذرعا بسببها..كل ذلك جعلني أتلوى ضيما من فكرة الزواج هذه التي لأجلها تنتظر مني أن ألغي طموحاتي و أتخلى عما فكرت فيه و عملت لأجله و سهرت عليه الليالي سنين طوال...

لقد أتعبتني و أرهقتني و أرهقت جسدي و قلبي و فكري بسيرة أشغال البيت هذه،ولم تمل أو تستثقل هي ذلك ولو مرة في حياتها حتى انحدرت علاماتي الدراسية في الحضيض ولم أخرج بشهادة الإجازة إلا بعلامة حد المتوسط...على الرغم من أنني تمكنت من النجاح به..

ألهذه الدرجة كنت غبية؟!أكنت لهذه الدرجة لست أهلا للنجاح أو مواصلة الدراسة ؟؟أكنت لهذه الدرجة لست أود النجاح أو الاهتمام بالدراسة أو المراجعة أو المذاكرة أصلا ؟!لا،كلا و ألف كلا...و ألف كلا!لم أكن كذلك!لم أكن كل هذا على الاطلاق!

لقد أقسمت جهد أيمانها الباطلة الدنيئة أن توقع بي و تحول بيني و بين نجاحي بتميز...لقد أقسمت جهد أيمانها أن لن تدع لي ما أتيح لي من وقت للمذاكرة حتى في فترة المراجعة و الاعداد للفروض!!يا رب!أكل هذا خبثا و سوء نية في نفسها؟!أكل هذا مرضا فيها و حسدا و حقدا من عند نفسها؟!أهذه هي الامومة؟!أهذا هو قلب الأم الذي خلقته رحمة لعبادك من الابناء؟!غفرانك ربي!لم أقصد كفري بخلقك و نعمتك الفطرية و لم أقصد يأسي من رحمتك فأنت أرحم الراحمين..و أنت أرحم على الولد اليتيم الشريد الكئيب الذي لا سند له و لا ظهر حتى على والديه!أنت تعلم أنه يعيش على الأرض التي خلقتها حتى الآباء و الأمهات الذين لا أبوة لهم ولا أمومة ولا ذمة ولا تقوى ولا مروءة ولا كرامة ولا عهد ولا ميثاق ولا إيمان ولا حياء!!إني لا زلت على هذا الحال التعس حتى قدر لي أن أرسب في العام الأول من المرحلة الثانية من تعليمي العالي..و على هذا الفشل الذريع الذي بليت به ،تريد أن تفرح هي بزواجي...حتما هي متيقنة بأنني سأفشل و سأخرج من الدراسة مهزومة منكسرة مستسلمة ضعيفة ذليلة دون أن أمنح لنفسي فرصة المحاولة مرة أخرى...هي متيقنة أيضا أن الدراسة لم تعد من اهتماماتي فالاولى بي لها أن أبحث عن عمل إعدادا لفكرة الزواج و حدث الزواج...لأنها ترى أنني مهددة بالعنوسة!!!

ألهذه الدرجة أريد أنا العنوسة و أستحبها؟!أتراني أعارض على نصف الدين وواحدة من سنن الحياة؟!لا،كلا و ألف كلا...أنا لدي أمنيتي و دعوتي إلى الله أن يرزقني زوجا صالحا يحبني و يصونني و يشجعني كل خير و حسن أقوم به ...لا يرى نفسه آمرا ناهيا لي و يراني مجرد قطعة من أثاث بيته أو مجرد خادمة سخرت فقط لسماع أوامره و تنفيذها...تعرفونني أخاف عواقب مجتمع سلطوي ذكوري مازال أغلب ذكوره يفكرون في الوراء و يحلمون بنفوذ زوج ضائع و يريدون إحياءه من جديد...

أما هي،فلا مشكلة في الزواج حتى من حثالة البشر ...المهم لديها أن أستقر في عش الزوجية و أن أخرج من حياتها!هذا بداعي العنوسة التي اصطنعتها و اخترعتها بالرغم من أنني مازلت في عقدي الثاني من عمري،حتى من غيري من تزوجت وهي أكبر سنا مني!

فرحة هي بما صنعته بي و حققته من إفشالي و إضعافي بدعوى"أشغال البيت"التي لم تكن لها سوى أوحد هم و أدنى منالا...فما أغنى عنها ما صنعت و ما أضمرت و ما زالت تضمر لي...فتبت يداها و تبت نفسها المريضة و السقيمة !!يا لصوتي الباكي الذي يغرد حزنا و لوعة و أسى وألما و تهدجا وهو يصرخ فيها بأجمعها و في وثنها:زهقت و زهقت يداك وكل نواياك الخبيثة التي دمرتيني بها!

ألا يكفيك تدميري و تحطيم حياتي و مستقبلي و قطع أملي؟!ألا يكفيك قتل طموحاتي و أحلامي لأجل سخافتك الوضيعة ؟!فتبا لك و زهقا لك و سحقا لك!!تبا لك و ألف تب!!من المهد إلى الفناء!!

انتهيت تقريبا!قد قضي علي تقريبا!و ها أنذا عل أشلاء حطام حياتي أكب على نفسي و قد طالني الشلل و الوجوم و بقيت عيناي تقطران دما و دموعا على نفسي و ضيقي و سأمي و يأسي من الدنيا و ضيق الدنيا بي و صفعها إياي...فقدت الرغبة في الإقبال على الحياة فقد قتلوها في ذاتي من الاصل...فقدت الرغبة في الأكل و الشرب...ففدت الرغبة في الحديث مع أحدهم...أصبحت مهددة بحياة الشظف و الجدران...أصبحت مهددة بفقد أي أمل في إصلاح ما فسد لي أو أي أمل في أي شيء يجعلني أواجه به قساوة هذه الحياة و جحيم هذا المجتمع و هذا البلد الظالم الذي لم يعد لأبناءه حتى الحق في عيش كريم لائق،أو أي شيء أواجه به ظلم الذان قدر لهما أن يكونا والدان لي!فحسبي الله و نعم الوكيل في كل ظالم مجترئ مكابر!حسبي الله و نعم الوكيل ونعم النصير و المنتصر!

رحمتك يا رب بي و رأفتك!أنت أرحم الراحمين!رحمتك يا خالق السماوات و الأرض !رحمتك يا رب الأرباب!رحمتك وسعت كل شيء و قد سبقت غضبك!يا رب الأربتب!يا رحيم،أنجدني و أغثني فلا منجد ولا مغيث سواك!يا رب أنقذني من حيرتي و ضياعي و قلة ذات يدي فقوتك هي الآبدة و الدائمة و الآزلة...يا رب أعني و انصرني!إني أذوب ضياعا و هوانا...إني أحترق بؤسا و ضيرا و كآبة...إن نفسي و و جودي و كل أمري بيدك...اللهم لا تدع ممن تجبر و طغى علي من عبادك و شرار خلقك يتملك أمر نفسي...فأنت أرحم الراحمين...