يتجمع  كل عام حوالي خمسة عشر ألف مشارك من جميع أنحاء العالم في مؤتمر أكاديمية الإدارة الذي يعد أضخم مؤتمر  للإدارة في العالم. خلال مدة المؤتمر البالغة خمسة أيام تعقد مئات الجلسات وورش العمل والندوات مع معرض مصاحب للكتب والوسائل التعليمية والتدريبية الأكاديمية والعملية للمعلمين والباحثين والمستشارين والإداريين. تتوزع الفعاليات بين أكثر من ستة فنادق كبرى يتنقل بينها المشاركون سعيًا لحضور أكبر قدر من الفعاليات والالتقاء بزملاء المهنة أو بمشاهير العلماء.

تعرض خلال المؤتمر أحدث الأبحاث في مجالات الإدارة المتعددة بكل تفرعاتها وتداخلاتها. فمن تهيئة المنظمات وثقافتها لاحتواء ذوي الاحتياجات الخاصة و تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتأثيراتها على تكوين فرق العمل إلى التعاون الدولي وتبادل الخبرات في المنظمات العابرة للقارات واستخدام مناهج الأبحاث التاريخية لفهم المنظمات الريادية والتعلم والنسيان المؤسسي و النمذجة والمحاكاة لفهم بعض الظواهر المؤسسية المعقدة وغير ذلك مما لايتسع المجال لذكره . 

 يولد كثير من تلك الأبحاث نتيجة لتعاون المنظمات الحكومية والخاصة مع مراكز الأبحاث والجامعات في طرح تساؤلات حول قضايا متعددة ومن ثم تحويلها لمشاريع بحثية تستفيد من نتائجها المنظمات المعنية ويتم نشر بعضها لاحقًا كأبحاث وكتب. من أمثلة ذلك التعاون ماذكرته البروفسورة أيمي إدمندسون ، الأستاذة في كلية هارفارد لإدارة الأعمال،  في كلمتها التي ألقتها عند تكريمها أثناء المؤتمر حيث أوضحت أن مسيرتها البحثية  قد بدأت عندما تقدم أحد الأطباء الذين كانوا يقضون سنة تفرغ في هارفارد بطلب إلى مشرفها لدراسة أداء الفرق الطبية في غرف العمليات الجراحية. 

درست أيمي ديناميكات فرق العمل الطبية ، والتي هي مثلها مثل أي فرق عمل أخرى إلا أنها تعمل في أجواء أكثر حساسية وتتطلب دقة عالية وتنسييقًا فعالاً .. فلو لاحظت الممرضة أو الطبيب المتدرب خطأ عند كبير الجراحين أثناء العملية .. هل تشعر بالاطمئنان والجرأة على تنبيهه وقتها ؟ لذلك كانت أبحاث السلامة النفسية Psychological Safety عاملاً مهمًا في استكشاف مكونات فرق العمل الطبية الناجحة وكانت المفاجأة أن الفرق الناجحة ليست هي الأقل أخطاءًا (أخطاء تكتشف وتعالج داخل الفريق) لأن قلة الأخطاء قد تدل على السكوت عنها وبالتالي عدم التعلم منها .. وذلك ينطبق على مجالات أخرى. نتج عن تلك الدراسات فوائد أثرت إيجابيًا على ديناميكيات العمل في غرف العمليات وتقليل الأخطاء الطبية، و أبحاث أكاديمية متميزة وكتب متعددة في مجال السلامة النفسية في المنظمات.

إن المتأمل في الحجم الهائل لمواضيع الأبحاث الإدارية وتنوعها وعمقها والابتكارات المتولدة عنها والاهتمام العالمي المنقطع النظير بتطبيقاتها في المنظمات والجامعات لايسعه إلا أن يدرك أثر الإدارة علمًا وممارسة على تفوق المنظمات وازدهار المجتمعات والذي رغم وضوحه يغيب عن كثير.