عندما تزيف الحقائق وتكيف المعطيات حسب الهوي والرؤي والمصالح الشخصية الدنيا ، ويتحدث الجهلاء بما لا يعلمون ، وتقلب المعادلة ويتسابق المنافقون عند أبواب القلعة خداما ، فلا بد من وقفة حازمة لرد لجام الأفكار والأصوات النكراء ، مصر التي علمت من علوم الدنيا كلها علم الإسلام وصدرته حتي للبلد الذي نزل فيه الإسلام قالها الشعراوي رحمة الله عليه وصدق ، ولكن لا حياة لمن تنادي ولا حياء في الدين ، تغيرت النفوس ، فبعد أن يدرس الداع في مدارسها وكلياتها وجامعاتها وصروحها الأبية الشامخة منارة العلم وبيت العلماء ونشر العلوم في العالم أجمع ، ويشرب من نيلها ويمشي علي ترابها ويأكل من خيراتها ويلبس من أقطانها ، فبدلا من أن يقل خيرا أو ليصمت ، رفع صوته علي منابرها بهتانا وأشاد بقبول من يعيشون فيها وعلي أراضيها بالطاعون ، بل وصفهم بالفرحين المساندين للمرض اللعين ، ظن أنهم صبروا إختيارا ولا يدري أنهم أخذوا علي حين غرة ، وذهبوا بريعان شبابهم وحرموا جميعا من نسيم الحرية خلف الأبواب المغلقة المتحصنة بأسوار القلاع وحديدها ، ومستمرين في الإفقار للبسطاء حتي الموت علي جنبات الطرق وفي الأذقة وبجوار القمامة ، ومن يحاول أن يروي ظمأه يعذب أيضا حتي الموت ، وبشرهم المتداع بالخير الوفير والمستقبل المشرق الذي في قرارة نفسه أضغاث أحلام وهو يعلم علم اليقين أن هذا الواقع الأليم لن يتغير بل يسير وسيسير نحو نفق مظلم نحو الهاوية لا أمل في الصعود ، خلع عباءة العلم وتاج العلماء وإختار رداء العبودية في أبشع صوره وظهر علي الملأ كالسراب ، خوف إحتل العقول قبل القلوب ، فاض في المدح والثناء وكأن العامة أمامه ولكنه كان جمع خاص يريد أن يمتع آذانه بطيب الحديث ، ومن ثم يقتنع الجمع في الخارج ، تلعثم في الكلام وإختلط الحابل بالنابل وتاهت الكلمات واهتز جسده من ترديد المشهد ورغم محاوته إتقان الدور المرسوم له والمتدرب عليه ، حتي ضعف الحديث جعله ينطق ظلما وتبديلا وأسند الحديث زورا ، فإن كان جاهلا فهذه مصيبة ، وإن كان عالما فهذه مصيبة كبري ، لم يدرك عظمة المكان الذي يحمل أرجله ومن وقف في نفس مكانه يوما فشهورا فسنينا رسول الله صل الله وسلم وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي والذي أوصي عليه الصلاة والسلام بأهلها خيرا وقال عن أهل مصر فإنهم في رباط إلي يوم القيامة ، فسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان له مقولة شهيرة : إذا رأيت العلماء عند باب الملوك فبئس الملوك وبئس العلماء واذا رأيت الملوك عند باب العلماء فنعم الملوك ونعم العلماء ، مصر العظيمة برجالها البواسل من الجنود لا يحتاجون نفاقا ولا رئاءا ، إنهم يعلمون واجبهم المقدس تمام المعرفة ودائما ما كانوا عند حسن الظن بها ، اللهم انصرهم علي أعداء الداخل قبل أعداء الخارج وانير قلوبهم إلي طريق الحق دائما ، ومن ثم التشكيك فيهم مرفوض جملة وتفصيلا ، فمصر التي ردت هجوم الصليبين عن الإسلام المسلمين بقيادة القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي وتحرك من مصر لتحرير القدس الشريف وشهد هزيمتهم في موقعة حطين ، الملك المظفر سيف الدين قطز القائد الكبير للمماليك في مصر الذي هزم المغول في موقعة عين جالوت إحدي المعارك الخالدة في التاريخ الإسلامي وحرر القدس أيضا من التتار ، وكلا القائدين العظمين غير مصرييين ولكنهم عادلان وأدركوا بفطنتهم أن مصر رمانة ميزان الشرق فإن قامت قام الشرق كله وإن سقطت سقط الشرق كله ، وقدموا إلي مصر وأحبوها وإلتصقوا بشعبها فصاروا منهم وإستقبلهم الشعب بالورود والأزهار ، ونذكر قول الصحابي الجليل عمرو بن العاص عندما قال ولاية مصر تعدل دار الخلافة ، وعشقوا جميعهم ترابها وبدأوا النضال والشرف من أرضها وبسواعد أبنائها انتصروا وكتبوا صفحات التاريخ الناصحة ، السيد العلامة الداعية الكبير جمال الدين الأفغاني رحمه الله كان من مدينة أسد آباد في أفغانستان وجاء إلي مصر وتعلق بشعبها وإلتف الشعب حوله فقد قال إن المسلمين بحاجة إلى الحاكم المستبد المستنير في بلاد الشرق في وقت وفي زمان معين ، وإبتلينا قرنا من الزمان بمستبدين لا يعقلون ، صم عن مشاكل الناس ، بكم عن الحوار معهم ، عمي عن مصائبهم ، مقيدون لحرية التعبير والصحافة والرأي الآخر وجاهلون للتعليم والعلوم والفنون ، ومتهمين كل المعارضة بالخيانة والعمالة والتفريط ، حتي عندما أتي الأفغاني إلي مصر كانت الأوضاع في حالة السوء ، الفقر كان يعصف بجموع الشعب وكانت الأمور تنبأ بثورة قادمة ، وكانت تنتطر مشعلا لفتيلها ، فكان يخاطب المصريين بلغة حادة ومتناهية جدا هبوا من سكرتكم ، وأفيقوا من غفوتكم ، وكان يخطب في العمال والفلاحين وكان يقول أيها الفلاحين تشقون الأرض لتستنبتوا فيها الزرع ، لم لا تشقون قلب ظالميكم ؟ لم لا تشقون قلب الذين يأكلون ثمرة أتعابكم ؟ وإستطاع أن يقلب البيئة الجاهلة حوله إلي بيئة عالمة متنورة تملك الوعي والإدراك ، فكان الأفغاني خطر عند الحكام لأنه كان يحرض علي الشوري ، يحرض علي أن يكون الشعب سيدا وقائدا لا خادما أو عبدا عند الحاكم ، وحمل الأفغاني رحمة الله عليه لواء العلم والفكر والوعي والإصلاح . ويحتاج الأفغاني لصفحات لسرد تاريخه أيضا وترحله من خط الدول الإسلامية من المغرب إلي جاكرتا ومروره بالهند وتأثيره فيها والدعوة للثورة علي الظلم وتوحيد الرؤي أينما حل ، وقد جاء في الأثر عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله : ويلك يا عمر ، لو أن بغلة تعثرت في العراق لسئل عنها عمر لما لم تمهد لها الطريق ؟ ماذا هذا العدل وذاك الإحساس الذي نفتقدهما بالفقراء والمساكين والتماس معهم والتخفيف عنهم والإحسان إليهم ، وصولا للخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه واحدا ممن دخلوا التاريخ بأعماله العظيمة وإدارته العادلة للدولة ، حتى تجدد الأمل في النفوس أنه بالإمكان عودة حكم الخلفاء الراشدين واقعا ملموسا لا قصصا تروى ولا أماني تطلب ولا خيالا يتصور ، بل حقيقة يشهدها الناس ، وينعمون بخيرها وإحتاج عمر بن عبد العزيز لإحداث هذا التغيير في حياة الأمة إلى ثلاثين شهرا ، لا إلى سنوات طويلة ولهذا دلالته حيث إن الأمة كانت حية نابضة بالإيمان ، مليئة بالرجال الذين يجمعون إلى جانب الصلاح القدرة والكفاءة ، ولو كانت الأمة مجدبة من أمثال هؤلاء لما استطاع عمر أن يقوم بهذا الإصلاح العظيم في هذه الفترة القصيرة ، أما زماننا فكثرت الشياطين في ملابس الإنس ، وإندثرت الأخلاق بالمكان وحلت الشهوات وحب النفس والآنا القاتلة للشخص نفسه وللآخرين ، أصبح الكثيرون منا طريقهم الوحيد وهدفهم الوحيد حب المادة والتعلق بها والعيش من أجلها وتمني الخير فقط لأبنائه وأهله وترك الآخرون يذهبون إلي الجحيم ، هيهات عندما تضل النفس وتغوي وعن طريق ربها ودينها تبعد ، فأبشرهم هم والمغيبين والجاهلون والمنافون والمرائون والمخادعون والمنتفعون والمضللين والشواذ فكريا عن عين الحقيقة بالمصير الأسودا إن شاء الله ، والأيام قادمه فلينظر المرء ماذا قدم لحياته ، أين نحن مما يعذب بلا حساب ، ومن يقتله الإهمال ، ومن يدهس تحت عجلات القطار ، ومن يغرق في مراكب الموت ، ومن يهجر غصبا وإقتدارا ، ومن يغرب هروبا ، ومن يجوع سبيلا ، ومن يجعل له مياه الشرب ملوثة ، نرجوا العدل ولا شيء سواه لا نأيد فردا ولا جماعة ولا فئة معينة خارجة عن الإجماع ، نرجوا الصلاح والقضاء علي أيادى الفساد القاصمة الشديدة الغلو في منح الأغلبية القليل من الزاد ، ان لم يوجد نقدا وتقويما علي من يتولون شؤون الأعمال فقل علي الدنيا السلام لا تقدم ولا رخاء فقط بلاء ومن ثم إبتلاء ، منح الحرية للطيور للتغريد بأجنحتها تنشر الخير والسلام والأفكار البناءة البعيدة عن سلطة الفرد الواحد ، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا ، اللهم عليك بالظلم والظالمين متي كانوا وأينما وجدوا وحيثما حلوا ، اللهم عافنا واعف عنا ، وارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، اللهم أنير ظلمات الدنيا في نهارها وليلها بالطاعات والتقرب إليك ، اللهم لا تحرمنا الشمس ودفئها ولا تحرمنا القمر ونوره إنك علي كل شيء قدير يارب العالمين ............................
أرض الكنانة لا تحتاج من ينوب للحديث عنها!
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين