نهر النيل الخالد
-------------------
بإذن الله سوف يظل يجري نهر النيل أكبر أنهار العالم طولا ، فسريانه محملا بالعادات والتقاليد زاده توهجا نادرا ، علي ضفافه قامت أقدم حضارة بشرية عرفها التاريخ علوا وشموخا ، مع طوفان مياهه وهطول الأمطار علي هضبة الحبشة بكثافة فرع النيل الأبيض مع بحيرة فيكتوريا فرع النيل الأزرق تكون نهر النيل وتلاقوا في أرض السودان الغالية في الخرطوم وجاء إلي مصر في مجري واحد ، حتي قيل أنه أحد أنهار الجنة ، فأقيمت السدود لتكون وقت الفيضان حماية ووقت الجفاف ملاذا ، بل الكهرباء أيضا منه تولدت شعاعا منيرا ، مياهه العذبة بين كل المياه قلما وجد مثيلها هديرا ، مياه بلورية يكسوها النقاء شفافة كالمرآة تكشف كل وجوه المخادعون والمنافقين والآفاقون تبيانا ، تتهادي مياه النيل فوق الصخور تناغما ، ورقة أصواتها عذفت وتشكلت ألحانا ، علي مداه وبين ثناياها وجدت الجزر الطبيعية وجعلت من المنظر جمالا خلابا ، حتي النباتات النادرة إشتاقت لمياهه وترعرت علي جانبيه صفوفا وورودا ، وزاد علي ذلك أن كل ما يعيش في النيل من أسماك وكائنات بحرية لها طعمها الخاص والمميز عن غيرها ، وتفرعت منه أي نهر النيل الوديان كالسلاسل المرسومة بعنقودا ، تلاقت مياة النيل مع مياه البحر ولم يختلطوا وحدثت المعجزة الربانية فكانت برزخا وكان وعد الله سبحانه وتعالي مفعولا ، بسبب طميه مئات الآلاف من الأفدنة شرقا وغربا خصبت طوعا واشتياقا ، لم تعرف أراضينا يوما تشققا ولا حرمانا ، فطرحت الأرض أحلي ثمارها وتنوع مخزون غلالها وأرست فائضا ، وأصبح سيدنا يوسف عليه السلام علي غلال الأرض خازنا أمينا ، خيراته وحرثه تجولت بين أقطار العالم عونا وإمدادا ، نهر النيل رمز الحياة وأعطانا الزهو والإمتنان بمن حبانا الله تعالي من نعم وتفضيله لنا وسنظل ننطق لله شكرا ، ونسجد لله حمدا ، أبدع الشعراء أجمل القصائد للنيل عشقا وتمجيدا وهياما ، وتسابق الكتاب والأدباء والمثقفين والقصاصيين وأصحاب الفنون في الحكي والوصف والتحليل سباقا ، ملئت الصفحات وفاضت من نبع خيره عطاءا مكتوبا ، مصر هبة النيل قالها هيرودوت ردا للجميل ومفاخرا ، من أراد الحب ذهب إليه مسرعا ، حتي في الحزن ينتظر شكواك ويواسيك راغبا ، كل الديار وقعت من بعيد وأنت ما زلت علي الحق عنيدا ، ألقت العيون النظر إليه فانبهرت فتونا ، ولم يبخل علي القلب فمنحه راحة البال وجعل الطمأنينة سكنا مرتدادا ، سكون النيل يرسل الكلمات وينظم الفكر وتهبط الطيور للتماس مع مياهه ومواصلة المشوار كفاحا ، لا تيأس بل تصبر حتي وإن طال الصبر عقودا ، يطير الأمل ويرفرف بين البر الشرقي والبر الغربي ووجد التحدي واقفا ، لا تسليم ولا إنكسار ولا مسكنات وسيبقي الشعار علي الشراع فوق النيل نبراسا مرفوعا ، شروق الشمس علي أمواجه ما أحلاها ، وفي غروبها رسمت اللوحات تمنيا وإبداعا ، ونور القمر أضاء سحر النيل ليلا جمالا متلألأ خفاقا ، تسابق الجميع لظمأ بطونهم وغرفوا غرفة بأيديهم - قليلا - فكانت بردا وسلاما ، ما من شخص زاره وإلا وكساه الحنين رجوعا وإنتماءا ، بسبب وجود النيل وتأثيره تفجرت الآبار حجرا ونقاءا ، وتجد الجبال علي شاطئيه أوفي الحراس وقوفا ، ظل النيل للأسرار حافظا كتوما ، كل الأولاد وجدوا في النيل ملعبا وفضاءا ، وجعل النيل رمزا للبهجة وللسرور عنوانا ، بالنسبة لمصر ظل علي ثوراتها شاهدا ، وعلي بطولات أبنائها مدونا ، لولا النيل لخسرت البشرية تراثا هائلا ، إتخذوه الفراعنة إله للخير والنماء ومرشدا فياضا ، وقدموا له أجمل العرائس تقربا وقربانا ، وسطرت الأساطير الخالدة موالا شجيا ، تماسيح النيل فريدة من نوعها ، ولها رونقها الخاص فقد حنطها الفراعنة وظلت موروثا شعبيا عند أهلنا في الجنوب حتي لحظتنا ، وأولت اليونيسكو الإهتمام بها وأصبحت بحيرة ناصر متحفا مفتوحا لتربيتها ، إخترع الفراعنة السفن للتنقل علي سطح مياهه والتوسع بحضارتهم والإبحار شمالا وجنوبا ، وربحت التجارة حليفا ، حتي مقابرهم دفنت علي ضفافه ومعابدهم شاهدة علي إلتصاقهم بالنيل مجيرا ، أقصر الطرق للتنمية المياة والتي هي أساس كل شيء للبناء عليها ولكن فقدنا أشياءا آخري نسيانا ، لا نرجوا تفريطا ولا هوانا في مياهنا التاريخية فقد حافظ القدماء والأجداد علي نهر النيل فتيا ، لا يشيب أبدا ولا ينزوي إحتراما ، وخاضعو المعارك وآثروا التضحيات فداءا ، فهل سيحافظ الأحفاد علي شريان حياتنا ومبتغانا ومنتهانا أم لا ؟؟؟؟؟؟؟